إذا ما رجعنا إلى المصادر الصوفية لنتفهم حقيقة هذه الطريقة استخلصنا من بين ثنايا السطور بعد إجهاد وكد أنها إنما تتم بعلم وعمل، وذلك بقطع عقبات النفس والتنزه عن أخلاقها ورغباتها ومطامعها المادية حتى يتوصل بذلك إلى تخلية القلب من غير الله وتحليقه بذكره سبحانه
وأخص خواص هذه الطريقة لا يتوصل إليه بالتعليم والاستقراء والدرس بل يلتمس بالذوق العالي وتبدل الصفات، إذ أنهم يرون أن الفرق شاسع بين معرفة حد الشيء وبين معرفة الشيء نفسه، كأن يعرف المرء حد السكر مثلاً بأنه حانة يجلس فيها فيأخذ من الشراب إلى أن يصبح ثملاً فنشوان فسكران، وبين أن يكون سكراناً. وكذلك القياس في معرفة حقيقة التصوف من أنه عزوف النفس الكامل عن المادة، وبين أن يكون متصوفاً زاهداً
يعتقد الصوفيون أن معرفة الله لا تأتي بالمجادلات العقلية ولا بالمناظرات الفلسفية، ذلك لأن العقل الإنساني عاجز عن إدراك كُنْه الحق وتفهم صفاته وخواصه بمثل هذه الأشياء، وإنما تتكون المعرفة في الشعور بطريقة خاصة وعمل مستمر يمكن من رؤية الله تعالى بالقلب لا بالعقل
يسلك الناسك (طريقاً) خاصاً للوصول إلى هذه الغاية يكون فيها تهذيبه وتنقية روحه من عوارض الدنيا وزخارفها المادية، ثم يتدرج في هذه السبيل ويقطع (مقامات) معينة يصل في نهايتها إلى الفناء في الحق، وهذه المقامات سبعة وهي: التوبة والورع والزهد والفقر والصبر والتوكل والرضا، يكسبها لنفسه بنفسه بعد طول الجهد والتهذيب المنظم
وقد اختلف العارفون في فهم كنه هذه المقامات وتباينت آراؤهم في تفسيرها على معانيها الظاهرة أو الباطنة، فالفقر مثلاً حسب ظاهر المعنى هو ألا يملك المتصوف الزاهد شيئاً مادياً، على حين أن البعض الآخر ذهب إلى أبعد من ذلك فاعتقد بأن على المتصوف الذي