إن أبرز ما يتسم به الإسلام هو التسامح إزاء من يعيشون معه أو في كنفه، وتلك جِبِلّة في العربيّ أنّى كان؛ غير أن خصومه لك يقدروا فيه ذلك التسامح حق قدره، ولم يحملوا للعرب هذه المكرمة التي يظهرونها في كل حين مهما اشتدت بهم الأمور، وحاقت بهم الخطوب
واليهود في ادعائهم فلسطين وطناً قومياً لهم إنما يتنكّبون السبيل السويّ والصراط المستقيم، فما كان لهم في عصر من العصور وطن قومي حتى يجوز لهم اليوم التشبَّث به. وخير لهم أن ينضووا تحت ظلال الشعوب التي هم بينها. وأنى لهم أن يعرفوا (الوطن القومي) وهم لا يعرفون الشعور القومي، ولكنهم قوم غرقوا في العصبية الجنسية تقليداً فحسب، فلا جرم إذا هم سعوا وراء مصالحهم قبل أن يفكروا في مُعَاونة من هم بينهم، ولا غرابة - حين يبدو هذا منهم - أن تقف منهم جميع الدول الغربية موقف المضطهد المستنكر لأعمالهم، ذلك لأنها أحست بوطأتهم وضررهم، ورأت أنهم يتعصَّبون لجنسهم لا لقومية فيهم، فاليهودية اسم للدين لا للوطن، على حين أننا إذا قلنا (العروبة) شخصت الأبصار والأذهان إلى الجزيرة العربية وأطراف العراق وبلاد الشام موطن الغساسنة
لقد كتب الله على اليهود التشتت والتفرقة (ضربت عليهم الذْلة والمسكنة وباؤا بغضبٍ من الله، ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله، ويقتلون النبيين بغير الحق، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) وكيف يريدون أن تكون فلسطين وطناً لهم وفي بلاد العروبة أنفس أبيَّات لا ترضى الذّل وتأبى الصبر على الهوان؟ وكيف يريدون فلسطين وطناً لهم وهي مهبط المسيحية الغراء، والأرض التي درج عليها عيسى عليه السلام، وفيها مناسك النصرانية؛ وهي الأرض المقدسة بعد الحجاز عند المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؟ قل (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله). ولو