ولقد اعتاد الناس إذ ذاك أن يقاوموا الأديان الجديدة المخالفة لعقائدهم، فلما جاءت المسيحية قاومتها الوثنية مقاومة عنيفة، وأوقعت بأتباعها مرَّ العذاب، وشديد التنكيل، فلما ظهرت هذه عليها كالت لها الصاع صاعين، وبادلتها الشر بمثله، وكان المسيحيون يعتقدون إذ ذاك أن هدم المعابد والهياكل الوطنية شرط لازم لتأييد المسيحية، ولذلك فإن أباطرة الروم عندما تنصروا كان أول ما أمروا به هدم هياكل الأوثان في مصر وإحراقها بما فيها من الكتب. ولما كانت مكتبة الإسكندرية من آثار الوثنيين ومؤلفاتهم، فليس هنالك ما يبرر حرقهم إياها.
ولم يقتصر هذا الأمر على الكتب الوثنية فقط بل تعداه إلى جميع الكتب غير المسيحية، فقد أحرق الكردينال كسيمنس جميع كتب المسلمين في غرناطة وكانت ثمانين ألف مجلد، وأحرق الأسبانيون غيرها عشرات المكاتب الهامة في القرن السادس عشر كرهاً للعرب، وفي القرن الثاني عشر أتلف الصليبيون معظم مكتبة طرابلس، وكذلك يوم أمر ضجيل بإحراق كتب دار العلم فيها وكانت تقدر بأكثر من مائة ألف مجلد.
ونحسب بعد هذا أن قد وفينا الموضوع حقه من البحث، في دحض هذه الفرية الشائنة التي لفقها بعض الشعوبيون على العرب تلفيقاً، وأننا قد بلغنا بالقارئ محجة الإقناع. وسنتقدم في مقال آت لدحض فرية أخرى عن الإسلام لا تقل عن هذه شناعة. وسنواصل نشر هذه البحوث في الرسالة العزيزة حتى يتم طبع كتابنا في الدفاع عن الإسلام، وبذلك نكون قد وضعنا تحت متناول القارئ ما يساعده على مجابهة الخصوم، ونكون قد أدبنا لهذه الأمة العزيزة بعض ما أخذنا على عاتقنا عبئه، وأنجزنا بعض ما سجلته علينا الرسالة العزيزة من الوعود القاطعة.