أشهر مما يثير الدهشة والاستغراب في نفوسنا لأنه لو قدر لكل حمام مائة مجلد في اليوم على الأقل (وعددها أربعة آلاف حمام) لبلغ هذا العدد الذي أحرق في ذلك الوقت (٧٢ , ٠٠٠ , ٠٠٠) مجلد وهو ضعف عدد مجلدات المكتبة الحقيقي بنحو ١٠٣ مرة تقريباً. ويستدل مما ذكر أن السبعمائة الألف مجلد لم تكن لتكفي الأربعة الآلاف حمام ساعة واحدة لا ستة شهور
وزاد على ذلك أستاذنا إسماعيل رأفت بك مؤيداً استبعاد وقوع هذا الأمر بقوله:(إن الكاغد بقطع النظر عن الرق وإن كان يصلح لا يقاد النار، إلا أنه لا يصلح لبقائها متقدة أصلاً)
وقد برهن بطلر على أن يوحنا النحوي الذي ذكره أبو الفرج في روايته لم يكن حياً يرزق وقت فتح الإسكندرية، سنة٦٤٢ م لأن يوحنا هذا كان قد اشترك مع (ديوسفوروس) و (جايوس) و (ساويرس أسقف إنطاكية) في الكتابة ضد مجمع خلقدونية، ويكون قد عاش في أوائل القرن السابع الميلادي: أي قبل سنة ٦٤٢ م. ولا بد أن يكون قد مات قبل دخول عمرو الإسكندرية بثلاثين أو أربعين سنة. . . الخ. وختم بطلر كلامه قائلا: لا أزال أقول إن إحراق العرب لتلك المكتبة غير محتمل جداً، لأن العرب لم تدخل الإسكندرية إلا بعد استيلائهم عليها بأحد عشر شهراً. وقد ذكر في عهد الصلح (مادة ٤ , ٦) أنه يجوز للروم أن يحملوا إلى بلادهم كل أمتعتهم، وفي غضون هذه المدة كان البحر مفتوحاً ولم تكن أمامهم أية صعوبة لحملها إلى بلادهم، وما كان يصعب على يوحنا (بفرض وجوده) وأمثاله أن يقتنوا هذه الكتب قبل أن تقع الإسكندرية نهائياً في أيدي العرب. انتهى كلام الدكتور حسن إبراهيم حسن
هذه هي المصادر والروايات الهامة التي يتعلق بها الشعوبيون في الحط من كرامة الفاروق العاص، وفيما سلف أن فصلناه الكفاية للدلالة على ضعفها وفسادها، وأما بقية الروايات فإنها قد أخذت عنها وتنطوي تحت حكمها
وأما عبارة حاجي خليفة وهي:(ويروي أنهم أحرقوا ما وجدوه من اكتب في فتوحات البلاد) فلا يصح أن تؤخذ حجة على العرب لأنه لم يذكر فيها اسم هذه المكتبة، ولا أشار إليها، ولكنه أراد أن يقول أن المسلمين في أول فتوحهم لم يعتنوا بالعلم لتعلقهم بالوحي وخوفهم من تسلط العلوم الأجنبية عليهم وعلى عقولهم