للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بن العاص في تفريقها على حمامات الإسكندرية وأحرقها في مواقدها وذكرت عدة الحمامات يومئذ وأنسيتها فذكروا أنها استنفدت في مدة ستة أشهر فاسمع ما جرى واعجب)

هذه هي الرواية التي نقلها أبو الفرج عن القفطي فيما بعد فتداولتها الألسن على علاتها، وروج لها الشعوبيون على أنها حقيقة لا غبار للشك عليها. وقد دحضها كل من جبون، ولوبون، وبطلر، وسيدُّيو، وشبلي النعمان

ولقد أعجبنا في دحض هذه الفرية دفاع الدكتور حسن إبراهيم حسن إذ يقول: (ومما يدل على اختلاق رواية أبي الفرج ومن تقدمه ما ذكره بطلر، إذ حلل هذه الرواية تحليلا لا يسع القارئ إلا أن يحكم ببراءة عمرو بن العاص مما نسب إليه، والاعتراف بأن مكتبة الإسكندرية لا بد أن تكون قد فنيت قبل الفتح الإسلامي بمدة طويلة؛ فذكر نقلا عن (اميانوس مارسينوس) أن السبعمائة الألف مجلد التي كانت تحتوي عليها مكتبة الإسكندرية قد أتلفت إتلافا تاماً حين حوصر (يوليوس) قيصر الروم بالإسكندرية كما تقدم، وممن أيَّد هذا الرأي أورازيوس حيث أعتقد أيضاً أن هذه المكتبة قد دمرت في حريق يوليوس المذكور

وأضاف (بطلر): (ومن سوء الحظ أن مثل جواب عمر قد ورد أيضاً بخصوص إحراق الكتب في فارس). وقد علق الأستاذ (بري) بقوله: (إن شعور المسلمين نحو كتب الوثنين الفرس يختلف اختلافاً تاماً عن شعورهم نحو كتب النصارى إذ كانوا يكرهون أن يتعرضوا لما فيه اسم الله)

وإذا سلمنا جدلا بأن احتراق مكتبة الإسكندرية قد حصل فعلا كما رواه أبو الفرج الذي ذكر أن الكتب قد وضعت في سلات وزعت على الأربعة آلاف حمام، وأنها ظلت تسخن مياهها ستة شهور، فإن هذا الخبر على ما يظهر لنا عبارة عن أكاذيب وأضاليل لا حقيقة لها أصلا، إذ لو قصد تدمير هذه الكتب حقيقة لأمر بإحراقها في الحال، ولم يكن عمرو بالرجل الساذج الذي يضع هذه الكتب تحت رحمة أصحاب الحمامات، فلا يصعب بذلك على (يوحنا) أو أي إنسان سواه أن يستولي على قدر عظيم منها بثمن بخس، ولدى يوحنا وغيره من عشاق الكتب ما يكفي لتحقيق هذه الأمنية وهي انتشال عدد كبير منها من مخالب النيران. على أن ما جاء برواية أبي الفرج من أن هذه الكتب كفت الحمامات ستة

<<  <  ج:
ص:  >  >>