لا مبالغة في القول بأن الاجتماع من أقدم الظواهر التي صاحبت العمران البشري، ولا غرو فإن الأمرين متلازمان بل أن التعبيرين من المترادفات. ولعل الأصح أن يقال إنه لا عمران بغير اجتماع وأن الحضارة نفسها إن هي إلا ثمرة اجتماع الإنسان إلى الإنسان.
ومن أقوال الحكماء قديماً:(الإنسان مدني بالطبع) وهي حكمة بالغة تصل إلى أعماق النفوس البشرية وتكشف عن طبيعة الإنسان الاجتماعية وتثبت أنه لا بد له من الاجتماع إلى أفراد جنسه وأنه لا يستغني عن ذلك الاجتماع ولا تستقيم حياته بدونه.
هذا وإن بين نشوء الاجتماع البشري وبين قيام الدول بالشكل الذي نعهده منذ أن سجل قيامها التاريخ مراحل طويلة يعنى ببحثها علماء السياسة وفقهاء القانون العام ويذهبون في أمرها مذاهب شتى ويفسرون - بالتالي - قيام الدولة تفسيرات متفاوتة شأنهم في كل موضوع ينفسح فيه مجال النظر ويطلق فيه العنان للرأي.
ولئن كان فلاسفة الإغريق قد تكلموا في السياسة فإن مسالة قيام الدولة لم تظهر بشكل جلي إلا في كتابات كتاب القرنين السابع عشر والثامن عشر الذين يمكن تبويب آرائهم في اتجاهين متميزين يختلف بينهما تفسير قيام الدولة وتحديد وظيفتها، ويتفق بين الآراء المندرجة تحت كل منها الأساس النظري وإن تفاوتت التفاصيل.
فالاتجاه الأول - ويمثله هوبز ولوك - يذهب إلى أن الاجتماع البشري قديم، أي أن الإنسان ما وجد إلا في جماعة، وأن تلك الجماعة في حالتها الطبيعية كان يسودها النزاع المستمر بين أفرادها حول الأغراض والمطامع الفردية التي لم يكن الإنسان يهتم بسواها، غير أن استمرار حالة النزاع الدائم هذه أدى إلى تنبيه أفراد الجماعة، فدفعهم حب البقاء إلى وجوب الاتحاد وأشعرهم بضرورة وجود السلطان فتفاهموا على الخروج من الحالة الطبيعية والخضوع لرئيس منهم وبذلك قامت الدولة.
أما الاتجاه الثاني - ورافع لوائه جان جاك روسو - فيذهب إلى أن الاجتماع حادث أي أن الإنسان كان في الأصل مبتوت الصلة بغيره من أفراد جنسه، وانه كان يحيا في تلك الحالة الطبيعية الأولى سعيداً موفوراً متمتعاً بحريته الكاملة حتى إذا كثر عدد الناس وتشابكت