مصالحهم وظهرت نوازع الشر فيهم رأى الإنسان أن ينضم إلى غيره وان يتنازل للجماعة عن جانب من حريته الأصيلة مقابل تمتعه بحماية الجماعة، وبذلك نشأت الدولة مستندة إلى إرادة المجموع أي إرادة الأمة التي فيها وحدها يتمثل السلطان.
ومهما يكن من شأن النجاح الذي لاقاه مذهب روسو في القرن الثامن عشر ومن تأثيره البالغ في الثورة الفرنسية وما تبعها من أحداث، فإن العلم الحديث لا يقر بهذا المذهب ويرى في (الهمجي النبيل) الذي خلقه روسو خيالاً لا دليل عليه بل لا حقيقة له. فالاجتماع البشري قديم قدم البشرية ذاتها؛ وقيام الدولة أمر من الصعب تتبعه وإثبات كيفية حصوله؛ وإنما الدولة نتيجة لتطور اجتماعي طويل، وهي بهذا الوصف حدث اجتماعي أو واقعة اجتماعية لا محل للبحث عن أساس قانوني لها، ولا داعي لتصور عقد اجتماعي تقوم عليه وتستند إليه.
وللعلامة ليون دوجي - كبير فقهاء القانون المعاصرين - نظرة طريفة في تكييف الدولة وتبرير قيامها تتفق والواقع الملموس. وتعتبر الكلمة الأخيرة في هذا الباب. فعنده أن الإنسان عاش في الماضي كما يعيش الآن، وكما لابد أن يعيش في المستقبل في حياة اجتماعية؛ فالفرد كان دائماً عضواً في جماعة إنسانية، غير أنه في نفس الوقت يشعر بكيانه الشخصي المستقل عن الجماعة وبميوله الخاصة وحاجاته التي يريد أن يقضيها، ولكنه يعلم أنه لا يستطيع تحقيق شيء من ذلك إلا إذا عاش في حياة مشتركة مع غيره.
إذن فالإنسان كان دائماً عضواً في جماعة كما كان دائماً يشعر بفرديته، إلا أنه كان ولا يزال يرتبط بالجماعة برباط وثيق مرجعه إلى ما أطلق عليه دوجي تعبير (التضامن الاجتماعي)
وهذا التضامن كان موجوداً في جميع مراحل تطور المجتمعات البشرية، فقد كان واضحاً في نطاق الأسرة ثم في ما بين أعضاء القبيلة، ثم بين المواطنين في المدينة الواحدة، وأخيراً بين أفراد الشعب في الدولة التي هي الشكل الحديث للجماعات المتحضرة.
وعند صاحب هذا المذهب أن أهم عوامل التضامن الاجتماعي عاملان: -
الأول أن للأفراد حاجات مشتركة لا يمكن تحقيقها إلا في الحياة المشتركة، وهذا ما يسمى بالتضامن بالتشابه والعامل الثاني - تفاوت قدرة الأفراد واختلاف كفاياتهم مما يستتبع