للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب في سير أعلامه]

بيرون

ذلك العبقري المتمرد الذي غنى أروع أناشيد الحرية، ولاقى

الموت في سبيل الحرية

للأستاذ محمود الخفيف

وانصرف بيرون في كمبردج عن دروسه كما كان يفعل في هارو وراح يقرأ ما تحب نفسه من الكتب، وأخذ يتسلى بنظم الشعر في شتى المناسبات؛ ولقد اصطفى فريقاً من الصحاب في الجامعة كما فعل في المدرسة، وظل في الجامعة حريصاً على أن تكون له الزعامة على من هم دونه في السن. وأحب في الجامعة شيئاً واحداً وذلك هو حياتها الحرة الخالية من قيود المدرسة، وعاش في سعة بما أتيح له من المال، وبسط يده لإخوانه كل البسط، وكان من الأمور الشائعة يومئذ لعب الورق وشرب الخمر، حتى لقد كان يعرف الشاب بمقدار ما يشرب من الراح في جلسة، وبمبلغ حذقه في اللعب أكثر ما يعرف بما يحصل من درسه؛ وكان طبيعياً أن يجاري شاب مثل بيرون أقرانه فيما انغمسوا فيه، وإن كان يكره الخمر بطبعه؛ وأقبل الشاب على حياة اللهو، لا يتقيد بعرف ولا يهتم بلوم، حتى نفد ماله، فاستدان بضع مئات. ولما ضاق نطاق الجامعة عن لهوه استأجر مسكناً خارج أسوارها، واتخذ له خليلة ألبسها ملابس الرجال وادعى أنها أخ له، وأطلق لحياة المجون عنانه؛ فهل كان يريد بهذا العبث أن يسخر سخرية عملية من الحب وأحلام الحب، أم هل كان يجري فيه على ما ورث من آبائه من خلال؟ الحق أننا نستطيع أن نرد ما أسرف فيه على نفسه من اللهو إلى الأمرين معاً؛ ونستطيع كذلك أن نضيف إليهما ولعه بالرياضة التي جعلها بعض لهوه، وكان يريد من الرياضة أن يكتنز لحمه فيضمر جسمه، لأنه كان أميل إلى البدانة، وكان كرهه للبدانة شديداً؛ وكانت أحب ضروب الرياضة إليه السباحة التي كان يجيدها والملاكمة التي أخذ يتعلمها على أحد كبار معلميها.

ولما انتهى العام ترك بيرون الجامعة وذهب إلى سوثول حيث كانت تقيم أمه، فما أن وقع بصرها عليه حتى ثارت في وجهه وقذفته بما كان في يدها، فعول على الرحيل مسرعاً وقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>