نعتقد أننا قد أجبنا على هذا السؤال فيما كتبناه عن (نهضة المسرح في مصر)، إذ شرحنا في إيجاز جميع العوامل وكل الأسباب التي أدت إلى انحلال المسرح، ثم قيام الحكومة بنصيبها في نهضته بإنشاء الفرقة القومية ونصيب هذه الفرقة من النهضة الأخيرة وواجبها حيالها.
على أنه كاد الموسم يبدأ حتى كانت الفرقة قد انتقلت من يد إلى يد، وأصبح أمراً واقعاً أن وزارة المعارف قد سلمت مقاليدها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، فحمدنا الظروف التي أتاحت هذا التغيير الذي سيكون له أثره في سياسة الفرقة، والذي جعل للأستاذ الكبير توفيق الحكيم إشرافاً حقيقياً على شؤون المسرح فلطالما كان من أعز أمانينا أن يكون لمن هو في مكان الأستاذ من المسرح هذا الأثر الفعال في توجيه شؤونه.
من يحمي الفنون ومن ينصرها في بلد يراها ضرباً من ضروب اللهو ولوناً من ألوان التسلية؟ فالبعض عندنا يذهب إلى المسرح للتسلية ولمجرد اللهو ولا ينظر إلى ما وراء ذلك من فائدة والى ما بعد ذلك من أثر. كل ما يرجوه ساعة أو أكثر يقضيها في دار للتمثيل: يضحك ويتندر ويتحدث، كأنما هو على قارعة الطريق، أو في بيته أو في أحد المنتديات أو المشارب؛ أما الفهم الصحيح للمسرح ورسالته، وأما الرغبة الأكيدة في الإفادة من هذا الغذاء الروحي والعقلي، فإنهما بعيدان عن تفكيره وميوله، ولهذا عاش المسرح في مصر خاضعاً لأهواء الجماهير، حتى في أيام ازدهاره، وحتى حين أخرج للناس (أوديب) و (عطيل) و (لويس الحادي عشر) وغيرها من الروايات الخالدة، حتى في ذلك الوقت لم يكن إقبال الناس على هذه الروايات، ولم يكن نجاحها الملحوظ عندهم إلا ستاراً لرغباتهم في التسلية، فهم يجتمعون في دار الأوبرا، وهم يتحدثون ويتندرون في هذا الشيء الجديد الذي يمر أمامهم، وفي هذه الشخصيات المضيئة التي تصعد في سمائهم، ولم توجد الرغبة