كان الشيخ مرسي غانم - أو الشيخ النزهي كما يسمونه في القرية - جالساً مع نفر من القرويين ينصتون بانتباه للعمدة وهو يحدثهم نفس الحديث الذي يقصه كل ليلة منذ انتهى إليه أن سعادة المدير ونجله سيشرفان القرية ليقيم بها الابن بضعة أيام إراحة لأعصابه كما أشار الطبيب. وكان العمدة يتحدث في هذه الليلة بحماس، ويلقي التعليمات والأوامر بوجه متجهم وصوت أجش كعادته في بعض الأحيان، وذلك لأن المأمور أنبأه في الصباح أن سعادة الباشا ستكون زيارته بعد الغد وأنه - أي المأمور - يهمه أن يهتف الأهالي بحياة الباشا وأن يكون بأيديهم سعف النخل وأغصان وأن تستقبله النساء بالزغاريد. . .
وانصرف شيخنا النزهي بعد أن عرف نصيبه في هذا الاحتفال وهو أن يبعث زوجته وابنته زينب لتنظيف غرف المنزل المعد لنجل المدير وأن يكون مع المستقبلين الهاتفين. . .
سار الشيخ صوب النهر إلى أن أتى الشاطئ فخلع نعليه وشمر عن ساعديه وجلس يتوضأ، وبعد أن انتهى من صلاة العشاء أخذ طريقه إلى المنزل وهو يكثر من الحوقلة التي اعتادها عقب كل صلاة، ولكنه كان في هذه المرة يرددها بنغمة الأسف على تأخره هذا وتوقعه ضجر الزوجة والأولاد. . .
دفع الباب واحتوته الغرفة فعاود الحوقلة بصوت عال، وأحزنه أن يرى الطعام على المائدة الخشبية وحوله عائلته، وقد غلب النعاس جميع أفرادها، فبدأ بإيقاظ الزوجة، وهذه أخذت تهز الأولاد من أكتافهم معلنة إليهم في ابتهاج وفرح عودة أبيهم؛ ثم أخذ الجميع يتناولون الطعام حتى أتوا عليه فقامت زينب - الفتاة الكبرى - وأتت بالماء فغسلوا أيديهم ومدت أختها يدها وتناولت أرغول والدها من شباك الحجرة وقدمته إليه، بينما تدحرج أحمد الصغير خارج الغرفة وعاد وهو يدفع أمامه آنية نحاسية وضعها أمام أمه.
تناول الشيخ أرغوله وبعد أن تثاءب وتمطى قربه من فمه، فسرى الصوت في فضاء الحجرة وتبعته نقرات الأم على الآنية النحاسية، وأخذ الأولاد في التصفيق متبعين نفس النغمة حتى حمى الوطيس، وأخذت زينب تغني أغنية ريفية مطلعها: