يَلْحِنَّا، يَلْحِنَّا، يا قَطر الندى ... يا شباك حبيبي يا عيني جلاب الهوى
وقامت فاطمة الصغيرة وتأهبت للرقص كعادتها حتى إذا أدركها التعب ارتمت على الأرض ليأخذ أحمد دوره. . . خفت صوت الأرغول وسكنت النقرات والأصوات، وساد في جو الغرفة الهدوء إلى أن عاود أحمد النشاط فنطق بأغنيته المحبوبة يا لليل يا ليل. . . ثم عاد الشيخ لأرغوله مشجعاً ولده وطاب لهم أن يغنوا ثانية أغانيهم البلدية، وعاد المرح وارتفع صوت زينب وتبعها الجميع مرددين مصفقين، وقامت فاطمة للرقص ونافسها أحمد بحركات ساذجة تبعث على الضحك والسرور، وبين آونة وأخرى يتعثر أحمد فيسقط على الأرض وأحياناً تسقط معه فاطمة فتتزايد القهقهة من الجميع إلى أن أدركهم الكلال فنهضت زينب وقادت أمامها اخوتها إلى الغرفة الثانية المعدة لنومهم.
على هذه الوتيرة كانت تعيش عائلة الشيخ مرسي، وعلى هذا الضرب كانوا يقضون لياليهم. أما في النهار فكانوا يعملون في الحقل بكل نشاط وابتهاج، لكل منهم عمله حتى أحمد الصغير كان يتدرب على مراقبة البقرة التي تدور حول الساقية. . .
حياة بسيطة لا تعقيد فيها، كلها سعادة وكلها أمن واطمئنان: الشيخ يرى أن سعادته في ابتسامة زوجته وفي نماء المحصول وصحة أولاده، والأولاد يرونها في هذا الحب المتبادل الذي يربط بين قلوب الجميع، والزوجة تراها في رضاء الزوج ومرح الأولاد.
. . . وفي هذه الليالي الضاحكة حيث يرقصون وينشدون وكثيراً ما التمس سكان القرية السرور والفرح والترويح عن النفس في بيت هذه الفرقة الموسيقية التي لم تعرف الشقاوة الطريق إلى أفرادها حتى أطلق سكان القرية على بيت الشيخ (بيت الحظ).
قبيل الفجر كانت زينب توقظ أمها واخوتها لقضاء ما يلزم للمنزل وتهيئة الماشية وإعداد الفطور استعداداً للذهاب إلى بيت العمدة المعد لسكن (ألبك الصغير) وتم كل شيء وأخذت هي وأمها طريقهما إلى بيت العمدة.
قامتا بما يجب عليهما من غسل أرضية الغرف وتنظيف ما علق بها من الغبار وغير ذلك، وما وافت الظهيرة حتى كل شيء على ما يرام، وحضر العمدة وجاءت على أثره سيارة كبيرة تحمل الأشياء التي يتألف منها الأثاث، وأخذ الرجال في الترتيب وأصدر العمدة أمره إلى الأم وأبنتها بتهيئة الطعام للرجال.