بينما كانت زينب تعمل مع أمها سمعت صوت موسيقى رائعة ينبعث من إحدى الغرف فتركت ما بيدها وانطلقت إلى مصدر الصوت يدفعها حب الاستطلاع: نغمة جديدة تطرق أذنيها لأول مرة، وعلى باب الغرفة وقفت تنصت للصوت المنبعث من جهاز الراديو مأخوذة لا تستطيع ضبط عواطفها ولا امتلاك نفسها.
لم يكن يخطر ببالها قبل الآن أن في العالم غير أرغول أبيها وآنية أمها، ولم تسمع أن هناك أغاني سوى تلك التي تغنيها؛ نعم إنها شاهدت وسمعت فرقة الشيخ راشد التي تزور القرية من حين إلى آخر لتقيم الأفراح لعائلاتها، ولكن زينب كانت تفضل دائماً حفلات منزلها، وأين موسيقى الشيخ راشد من الموسيقى التي تسمعها الآن؟؟ وعقب اسطوانة الموسيقى سمعت زينب صوتاً رائعاً حنوناً:
(اللي حَبِّك يا هناه)
ثم موالاً بلدياً فرأت اختلافاً بيناً بين ما سمعت الآن وبين ما تسمع وتقول كل ليلة فأنكرت موسيقى منزلها، بل أنكرت نفسها وصغرت أمامها الألاعيب التي يقومون بها كل ليلة وأيقنت أن في العالم لذة وسعادة أشهى وأمتع من لذتهم وسعادتهم.
في مساء تلك الليلة كانت زينب تسمع أرغول والدها بملل وضجر كأن أذنيها لم تتعوداه، وودت لو ينتهي الوالد لتذهب إلى حجرتها حيث تتمثل في هدوء ذلك الصوت الشجي الساحر، وانتظر الوالد طويلاً أن يسمع صوتها ولكن دون جدوى، وظن أن لعملها الشاق في بيت العمدة أثراً في ذلك فأذن لها في الذهاب إلى النوم وهو لا يخفي كدره، وأخذ يلعن الباشا والبك والعمدة لأنهم كانوا سبباً في حرمان زينب من قسطها في الغناء والسرور، وحاول أن يشرك معه فاطمة وأحمد في الزمر والرقص ولكنهما آثرا أن يذهبا مع زينب، ومضت تلك الليلة صامتة فاترة على غير المألوف.
وفي الصباح كان البشر يلوح على محيا زينب عندما علمت أن زوجة العمدة أرسلت في طلبها لإعادة نظافة غرف ألبك الصغير).
بعد أن أتمت ما أشارت به زوجة العمدة انسلت حيث غرفة الراديو وجلست القرفصاء بجوار الباب تنصت بنشوة غريبة ولذة قوية، ودهشت إذ رأت فاطمة وأحمد يبلغانها غضب أمها لغيابها وقلقها، ولكنهما لم يلحا عليها في الإياب واطمأنا لصوت الراديو، وقفز