(القيثارة الخالدة التي غنت أروع أناشيد الجمال والحرية
والخيال. . .).
للأستاذ محمود الخفيف
- ٣ -
البيوريتانية كمذهب:
يتلخص مذهب البيوريتانز في العقيدة الدينية، في الأيمان بالقدر المحتوم، ويرون وجوب خشية الله أشد خشية في عمق وإخلاص، فالله وحده هو الحاكم، وهو وحده القادر ذو الجبروت والجلال؛ ويعتقدون أن معينهم الذي يجب أن يستقوا منه دينهم هو كلام الله كما ورد في الإنجيل، فلا وساطة للكنيسة البابوية بشرح أو تأويل؛ وهم ينفرون أشد النفور من الكنيسة البابوية لتحكمها في العقول وانغماسها في السياسة والحكم وأخذها بالبدع والضلالات، واعتمادها على الزخرف والبهرج الزائف من النقوش والصور والغناء والتماثيل وما إليها من مظاهر الوثنية؛ وبعد رجالها عن روح الدين ورسالته، وإقبالهم على الحياة الدنيا وزينتها، وانخداعهم بغرورها ومادتها، وجرى الأشراف على كنائسهم وفق نظام (كلفن)، فلا تكون الرياسة للقساوسة، وإنما تكون لفريق منهم يختار، ويشاركهم فريق من غير رجال الدين على نحو قريب من الديمقراطية بعيد كل البعد عن الاستبداد؛ ويتمسك البيوريتاني بأهداب الدين، ويحرص على العبادة، ويغلو في ذلك كل الغلو، فكل رب أسرة هو في الواقع قسيسها ومرشدها ومنفذ ما توجبه روح الدين فيها، وقاري الإنجيل ومفسره لأبنائها وبناتها. . .
أما في السياسة، فإن شعورهم القوي بان الله هو الحاكم الأعلى، وأنه القاهر فوق عباده، الملوك منهم وغير الملوك، جعلهم يستصغرون كل سلطة غير سلطته، ويرون الناس جميعاً بالقياس إلى الله سواء،؛ وينفرون من كل استبداد أو إرهاب في أية صورة من صورهما؛