للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقوى هذه الروح عندهم شعور آخر هو تمسكهم بحرية الضمير في الفكر الديني بتخلصه من آراء الكنيسة، وعلى هذا فحرية الرأي في السياسة جزء من هذه الحرية الفكرية التي بثها مذهبهم في نفوسهم واستمدها من التحرر العقلي العام الذي هو وليد النهضة والإصلاح الديني، والذي هو مظهر من مظاهر شعور الفرد بشخصه وذاتيته بالنسبة للمجتمع كله. . .

وفي آداب المجتمع نرى لهؤلاء البيوريتانز مبادئ خلقية يتمسكون بها تمسكهم بدينهم ويغلون فيها غلوهم فيه، وعندهم إن الروح فوق الجسد، فتطهير الروح من مفاسد الحياة لا يكون إلا بقهر الجسد وفطامه عن الشهوات ومحاربة الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولقد أسرفوا حتى كرهوا كل زينة وخافوا من كل متعة، وعدوا طيبات الحياة مبعث النزوات ووسائل الشيطان وحبائله. والبيوريتان صريح شجاع حر الرأي، إذ هو يميل إلى الطهر في كل شيء، ويميل إلى النزاهة في جميع صورها، ولذلك يطلب العدالة والحق قولا وعملا. وكما ان الأسرة البيوريتانية تأثرت بالدين نراها تأثرت كذلك بهذه المبادئ الخلقية، فرأس الأسرة حريص على أن يغرس هذه الصفات في أفرادها في صرامة وحزم، ولقد صبغ ذلك الأسرة البيوريتانية بصبغة خاصة في المجتمع الإنجليزي. . . .

وأثرت نزعتهم الدينية ومبادئهم الخلقية في نظرتهم إلى الفن والأدب، فمن حيث نزعتهم الدينية نجد انشغالهم بالدين وما يتصل به وتأثرهم بمذهبهم وتحمسهم له، يصرفانهم عن التفكير فيما سواه من معرفة أو أدب أو فن، مما يتصل بالحياة الدنيا ومسائلها؛ بل لقد كرهوا هذه الأشياء وخافوا مغبتها على عقيدتهم ومذهبهم ومالوا إلى حصر الأدب في أضيق نطاق له. وعندهم أن في الإنجيل غناء عن كل كتاب غيره، وحاربوا في شدة وعنف دراسة آداب الإغريق لما فيها من وثنية ومادية ورجس من عمل الشيطان. . . ومن حيث مبادئهم الخلقية نجدهم يحاربون الفنون في ضروب تعبيرها، لأنهم يعدونا لهواً ولعباً من غرور الحياة وفتنتها، فلا يقرون التمثيل، بل يرون فيه أنواعاً من الإغراء والفتنة تسوق إلى الفجور والضلال؛ وهم بالضرورة يمقتون الرقص ويعدونه فسوقاً وضلالاً بعيداً وحيوانية جامحة؛ وينظرون إلى الموسيقى نظرة أخف حدة من نظرتهم إلى المسرح والرقص، فإذا كانت للعبث واللهو والفتنة، فهي باطل وإثم، وإذا ذهب الناس إلى الكنيسة ليستمعوا إلى الموسيقى فحسب، وهم منصرفون عن العبادة بعيدون عن الخشوع، فوجب

<<  <  ج:
ص:  >  >>