هناك حقيقة تاريخية لا يمكن إغفالها عند التحدث عن العلاقة بين المراكشيين والأسبانيين، وهذه الحقيقة التاريخية هي أن الدولتين ظلتا في خصومة مستمرة منذ عهد بعيد وطيلة أجيال متعاقبة، وقد دخلت تلك الخصومة في طورها الفعال بعد أن قويت دولة النصرانية في الأندلس واستطاعت أن تستولي قواتها على شبه الجزيرة كلها.
شبت منذ ذلك الحين معركة قاسية طويلة الأمد بين المراكشيين والأسبانيين، وكانت على شكل غارات بحرية متوالية، فكان الأسبانيون ينزلون إلى سواحل مراكش غازين مغامرين، وكان المراكشيون ينزلون إلى السواحل الأسبانية غازين مغامرين مدمرين، وظل الأمر على ذلك أزمنة طويلة حتى بعد قيام الإمبراطورية الأسبانية، إلى ضعف أمر الدولة المراكشية في القرن التاسع عشر، فاقتحم حدودها الأسبان سنة ١٨٦٠، وشبت دون مدينة تطوان معركة طاحنة بين الفريقين تبادلا خلالها النصر والهزيمة مرات كثيرة، إلى أن دارت الدائرة على الجيش المراكشي وسقطت المدينة لتدوسها سنابك خيل العدو، فذاقت مدة من الزمن حياة المهانة على يد أعدائها القدماء، ولولا الظروف السياسية والتنافس الدولي لذاقت مراكش كلها ما ذاقته المدينة التعسة، ولكن كان على الجيش الأسباني أن يغادرها تحت تأثير الظروف الدولية؛ وهكذا خبا أمل الأسبانيين وضاعت الفرصة الثمينة التي أشرقت ثم غار نورها.
ولكن فكرة غزو مراكش زادت قوة، فظلوا يتحينون الفرص للانقضاض عليها. وكانت الجيوش الفرنسية في الجزائر على حدود مراكش الشرقية تشارك الأسبانيين هذا الأمل الخلاب، وبانت مراكش بين هاتين القوتين المضطرمتين، ولكن تطور الحوادث بعد ذلك دفع بالدولتين إلى الاتفاق.
كان ذلك في مفتتح هذا القرن، إذ اتفق الفرنسيون والأسبانيون على اقتسام مراكش بينهما، على أن تستولي أسبانيا على نصفها الشمالي إلى ما بعد مدينة فاس، ويستولي الفرنسيون على الباقي. ولكن الوضعية الدولية تغيرت واستطاعت فرنسا أن تعقد الاتفاق الودي المشهور مع إنجلترا سنة ١٩٠٤، وبذلك قوى مركزها الدولي، وتزعمت منافسة ألمانيا