للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التي كانت تعمل هي أيضا للاستيلاء على مراكش. وشبت الخصومة قوية خلال سبع سنوات بينهما، وتطورت تطورات خطيرة كادت تعجل بقيام الحرب العظمى، يوم دخل الطراد (بنثر) مياه أجادير. وكاد يطلق القذيفة الأولى في أول حرب عالمية، كانت أسبانيا مختفية طوال تلك المدة، بينما كانت فرنسا في مقدمة العاصفة، وقد غامرت بمستقبلها في سبيل مراكش، ولذلك ألغت من تلقاء نفسها الحدود القديمة التي اتفقت عليها مع أسبانيا، واكتفت بإعطائها، بعد أن انتهت القضية المراكشية إلى ما انتهت إليه، منطقة صغيرة في الشمال، ولم تسمح لها بالاستيلاء على مدينة فاس.

وهكذا انتهت تلك القصة الطويلة سنة ١٩١٢ يوم فرضت معاهدة الحماية على مراكش، ولكن تلك النهاية كانت إيذاناً ببداية معركة أخرى، هي معركة بين شعب يدافع عن نفسه وشعب آخر يحاول اغتياله والقضاء عليه. وما أن انتهت الحرب العظمى حتى هبت ثورة بطل مراكش الكبير الأمير عبد الكريم الخطابي في وجه الجيش الأسباني، وبدأت الأحلام الأسبانية تترنح تحت الضربات القاصمة التي وجهها إليها الأمير البطل، ذلك الرجل الذي اثخن الجسم الأسباني جراحاً، وقدم إلى أسبانيا جزاء على مغامرتها مرارة الثكل واليتيم والآلام، إلى درجة أنهم فكروا جدياً في الإقلاع عن السير في هذه الطريق المحفوفة بالأخطار. ولكن تدخل فرنسا في النهاية واستفحال القوات المهاجمة أرغما البطولة على الاستسلام، فلم يكن للجيش المراكشي الباسل مناص من إلقاء السلاح أمام الجيوش الجرارة التي جردتها عليه الدولتان القويتان.

انتهت المعركة وبدأت أسبانيا تحاول أن تشق الطريق إلى أهدافها في القضاء على مراكش مرة أخرى، ولكن منعها من ذلك قيام الحركة الوطنية وانتشارها بشكل واسع في البوادي والمدن، وقد كان قيام هذه الحركة بمثابة تحصين لروح الأمة وكيانها؛ كما منعها من ذلك أنها لم تحقق من أحلامها العسكرية في مراكش إلا اليسير، فهي ما تزال بعيدة كل البعد عن ذلك ما دامت لم تسيطر إلا على هذه الرقعة الصغيرة من الإقليم المراكشي ولذلك فان تسرعها في محق هذه البلاد لا يمكن أن يكون عملياً ما دامت لم تسيطر بعد عليها كلها.

وإذن فلتؤخر الكارثة إلى أن تتمكن أسبانيا من الاستيلاء على مراكش كلها. وهكذا اتجهت السياسة الأسبانية إلى نوع من المخاتلة، محاولة إخفاء نياتها الحقيقية لكي تستعين في

<<  <  ج:
ص:  >  >>