للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الوقت المناسب بسمعتها ضد الفرنسيين. وكانت في نفس الوقت تخاف أن يهب في وجهها عبد الكريم آخر إذا هي اتجهت في ساستها نحو الشدة. كانت تقول للوطنيين: لا تطالبوا أسبانيا بشيء، فإن مسألة مراكش في يد فرنسا، وفرنسا هي التي أعطت أسبانيا هذه المنطقة، ثم إن أسبانيا لا تستطيع أن تتنزل عن نفوذها في هذا الجزء الصغير من مراكش لكي تستولي عليها فرنسا. ولذلك فأنه يجب على الوطنيين أن يوجهوا جهودهم نحو تحطيم الاستعمار الفرنسي، وبعد ذلك تكون أسبانيا على استعداد للتنازل عن نفوذها لكي يتمتع المراكشيون جميعاً باستقلالهم الحقيقي

وهذا كلام لا يعوزه المنطق، ولكنه ليس صحيحاً، فقد اندلعت الحرب الأهلية في أسبانيا، وتلاحقت الحوادث بعد ذلك تلاحقاً خطيراً أدى إلى نشوب الحرب العظمى الثانية، فخيل لأسبانيا الفاشستية - بعد الهزيمة الفرنسية - أن الفرصة المومقة قد سنحت، وأن مسألة استيلائها على مراكش أصبحت مسألة زمن فقط، وفعلاً اجتازت جيوشها الحدود إلى مدينة طنجة الدولية، وكادت تقتحم منطقة مراكش الجنوبية، ولكن كلا من سياسة ألمانيا حيال الإمبراطورية الفرنسية والمطامع التي كانت تجيش بها إيطاليا الفاشستية حال دون ذلك.

ووجدت أسبانيا نفسها مرة أخرى عاجزة عن تحقيق مأربها القديم، فهي لن تستطيع الاستيلاء على مراكش إلى جانب المحور، ولن تستطيع ذلك بالطبع إلى جانب الحلفاء. ومالت كفة النصر نحو الديمقراطيات ثم انتهت الحرب بانتصارها، وانسحبت أسبانيا المعزولة عن مدينة طنجة، وتلاشى بريق الأمل الذي أوهمها أنها قاب قوسين من الشروع في خطتها التي ترمي إلى الاستيلاء على تلك البلاد.

لقد حالف الفشل والإخفاق أحلام أسبانيا التاريخية، وإذن فلتلتفت إلى المراكشيين لتصب عليهم نقمتها وغضبها. وإذا كان لعلم النفس دخل في السياسة، فقد خلف عندها هذا الفشل عقدة نفسية، وطاقة مكبوتة، وهي تتصرف اليوم حيال المراكشيين بإيحاء من تلك العقدة التي يزيد تعقدها في الشعور الباطن طمع هائل وباع قصير.

وهكذا تجرد اليوم أسبانيا على مراكش سوط عذاب، ولا تزيدها المقاومة إلا تمادياً في القسوة والجبروت، فهناك عند سفوح جبال الريف يتفنن أيتام النازية والفاشستية في السفك والجلد والتنكيل لأسباب تافهة، ويراقبون الضمائر وخلجات النفوس، ويهددون الأحرار

<<  <  ج:
ص:  >  >>