للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الرسالة والدعوة]

تستقبل الرسالة بهذا العدد عامها العشرين وهي تحمد الله على أن فسح لها العمر حتى رأت أكثر ما دعت إليه يتحقق رأت الوحدة بين أمم العرب في الشعور والهوى والرأي والأمل والغرض قد تمت بفضل الصحافة والثقافة والأدب. فهم يتآلفون في القرب، ويتعاطفون في البعد، ويتناصفون في الخلاف، ويتحالفون في الكريهة، ويشد بعضهم بعضا في مجاهدة العادي ومجالدة الباغي. والوحدة بين دولهم توشك أن تبلغ التمام ولولا ما يعوقها الحين بعد الحين من وساوس يلقيها شيطان خادع من الإنجليز، في صدر إنسان مخدوع من العرب! ووسوسة الشيطان، لا تبقى مع الإيمان. وإيمان العرب بربهم وبأنفسهم قواه الوعي حتى غلب على إيمانهم بأصنام السياسة وطواغيت الحكم. فهيهات بعد اليوم أن يستكينوا لزعيم منّهم، أو يستنيموا لخصيم مخاتل!

ثم رأت الرسالة فيما رأت تباشير الجامعة الإسلامية تلوح في أفق باكستان. ولن تلبث هذه التباشير أن تسفر في آفاق الشرق المحمدي كله، فيتصل نور بنور، ويمتزج شعور بشعور، وتتحد قوة بقوة. ولباكستان إذا تكلمت العربية خطر خطير في مستقبل الأمة الإسلامية. إنها قبلة رجاء الإسلام كما أن مصر قبلة رجاء العروبة. وهي للمسلمين خير العوض من تركية الذاهبة!

وأجمل ما رأته الرسالة في سنواتها القريبة انبعاث الإسلام الصحيح الخالص في قلوب المثقفين من أهله. كان الإسلام منذ ضعف في العالمين سلطانه، واستعجم على أشباه المسلمين قرآنه، قد أصبح رسما محيلا في قلوب بعض، وصورة شوهاء في أذهان بعض. فالخاصة قنعوا بمظهره، ثم جعلوا شرعهم غير شرعه، ودستورهم غير دستوره، وقبلتهم غير قبلته. والعامة عبثوا بجوهره، فقبلوه صوفية حمقاء خرقاء لا صلة بين شعوذتها وعباداته، ولا نسبة بين سلبيتها ومعاملاته

وكانت (الرسالة) منذ حملت أمانة الدعوة إلى السبيل التي عناها الرسول الأعظم بقوله: (تركتكم على الواضحة ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك) ما فتئت تذكر المسلمين بأنهم الأمة الوسط التي نزهها الله عن مادية اليهود وصوفية الهنود ورهبانية النصارى، (وأن دينهم مصحف وسيف، وشرعهم دين ودنيا، وتاريخهم فتح وحضارة، وحربهم جهاد وشهادة، وزعامتهم خلافة وقيادة، وحياتهم عمل وعبادة) حتى أراد الله لدينه

<<  <  ج:
ص:  >  >>