أن يستبين ولطريقه أن يتضح ولحبله أن ييتجدد، فتألفت (الإخوان المسلمون) على موثق الدعوة الكبرى، وأخذوا يدعون إلى الله على بصيرة. في أيمانهم المصحف للعقل، وفي شمائلهم السيف للهوى؛ ويحاولون أن يبعثوا في الهيكل الواهن المنحل وروح الإسلام الفتية القوية التي نقلت البدو الجفاة الحفاة من بوادي الجزيرة رعاة غنم، إلى حواضر الدنيا قادة أمم
فالإخوان المسلمون الذين يسمون أنفسهم رهبان الليل وفرسان النهار، هم وحدهم الذين يمثلون في هذا المجتمع الممسوخ عقيدة الإسلام الخالص، وعقيلة المسلم الحق
إنهم لا يفهمون الدين على أنه صومعة منعزلة، ولا الدنيا على أنها سوق منفصلة؛ وإنما يفهمون أن المسجد منارة السوق، وأن السوق عمارة المسجد. وكيف تفترق الروح عن الجسد إلا في الموت، وينقطه الهادي عن الركب إلا في الضلال، وينفصل الدين عن الدنيا إلا في الكفر؟ لذلك كان للإخوان المسلمين في الإرشاد لسان، وفي الاقتصاد يد، وفي الجهاد سلاح، وفي السياسة رأي وهم لا يؤمنون بالحدود السياسية والجغرافية في وطن الإسلام الأكبر! إنما يبسطون تآخيهم على كل رقعة من الأرض يذكر فيها أسم الله. فلهم في كل بلد من البلاد العربية أتباع، وفي كل قطر من الأقطار الإسلامية أشياع.
وبفضل هذه الروح القدسية المحمدية التي بثها الإخوان في العالم الإسلامي بالدعاية والقدوة، دبت فيه الحرارة، وغلا به النشاط، واستولى عليه القلق، وعصفت به الحمية؛ فهو يثور على المستعمر، ويتمرد على المستبد، ويتنكر للمفسد. وما يقظة الوعي العام في مصر والسودان، وفي العراق وسورية وفي اليمن والحجاز، وفي الجزائر ومراكش، إلا شعاع من هذه الروح سيكون له بعد حين نبأ!
أما الجماعات الدينية أو الصوفية التي لا تفهم من الإسلام إلا أنه أوراد تتلى، وأذكار تقام، ولحى تعفى، وشوارب تخفى، وعذبات ترسل، فهي من الشوائب المخدرة السامة التي علقت بالإسلام حين صده الجهل والضعف عن سبيله، فتراجع فيضه وسكن تياره. والماء إذا ركد تأسن وفشت فيه الجراثيم. ودعوة الإخوان عسية أن تزيل حواجز الباطل من وجه التيار، وأن تنقى مشارع الحق من هذه الأكدار
كذلك رأت الرسالة في عامها المنصرم مظهرا من مظاهر الوعي الإسلامي تجلى في ثلاثة