[المساء]
بقلم أمجد الطرابلسي
هوَ ذا الليلُ قد أطَلَّ من الأف ... قِ فعمَّ الفضاَء صمتٌ رهيبُ
جاَء يختالُ في غَلائله السُّو ... دِ وفي وجهِه عُبوسٌ مِهيبُ
فتولتْ ذُكاء جازِعَةَ النُّو ... ر وفَرَّت وقد علاها الشُّحوبُ
بسطت للوَداعِ أيَّ شُعاعٍ ... شاحبٍ قد أمَضَّه التأويبُ
ما تَرى الأُفْقَ قد تَوَرَّدَ حزناً ... إنَّهُ منْ دَمِ النهارِ خَضيبُ
كانَ ساحَ الوَغَى قد ظَفِرَ الَّلي ... لُ كما يظفَرُ القوىُّ الغَضوبُ
وتولَّى النهارُ، أيَّ طعينٍ ... مُستضامٍ تسيلُ منهُ النُّدوبُ
مأنَم الشَّمسِ! هكذا الكونُ بغى ... ودماء طليلة وحُروبُ
إن غَدَا الليلُ ظافراً فكذا النُّو ... رُ على الأرضِ عاجزٌ مغلوبُ
هكذا يَظْفَرُ الظلامُ ويخْبو ... لهب النور في الدُّنا ويَخيبُ
هكذا سُنَّةُ الحياةِ غِلابٌ ... وكذا الحَقُّ هَيِّنٌ مَغْصوب
وأطلَّ الرَّاعي ينوح على الشم ... س كما ناحَ في الرُّبى العندليب
هَبَطَ القريةَ الخزينة يبكي ... وتعالى حُداؤُهُ والنّحيب
أكذاك الأكواخُ يَغمرُهَا الصَّم ... تُ ويَعلو الحقولَ هذا القُطوب؟
أكذاك الطيورُ تَنْدُبُ شَجْوَاً ... وَيَعُمُّ الرُّبى الظلامُ الرحيب؟
أيْنَ سهلٌ يموجُ في لجج النو ... رٍ ووادٍ جمّ الظلالِ عشيب
أينَ لَحنُ الحياةِ تَنشده القر ... يةُ؟ أينَ المِراحُ؟ أينَ الوُثُوب
فبكى والقَطيعُ بينُ يديهِ ... خافتُ الخطْو والثُّغاءِ، كئيب
ومشى في الظلامِ يبكي على النو ... رِ كَمَا سَارَ ثاكلٌ مَحْروب
يصرُخُ النَّايُ في يديه فتبكي ... لِبُكى النايِ أعيُنٌ وقلوب
هي أُنشودةُ الوَدَاع يُغَنِّي ... ها وقد حانَ للضياءِ غُروب
هي أنَّاتُ شاعرٍ عَبقري ... عشقَ النّورَ واستبته الغيوب
أيُّهذا المساءُ فيكَ منَ المَو ... تِ دُجَاهُ وسِرُّهُ المَحجوب