للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[من وحي الصوم:]

رمضان عند الأدباء. .

للأستاذ محمد رجب البيومي

يتمتع شهر رمضان المبارك بمنزلة طيبة في نفوس الكثرة الغالبة من المسلمين، فأنت تراه ضيفا محبوبا يستقبل حين قدومه بشتى مظاهر المحبة والابتهاج، ويودع حين رحيله بدموع الحسرة والالتياع. وإذا كنا نسمع في أخبار الماضين من رجال السلف الصالح رضي الله عنهم انهم كانوا يعزون أنفسهم في الليالي الأخيرة من رمضان، فأننا لا نزال نرى بأعيننا الفسقة والعصاة من المؤمنين يجترحون السيئات ويقترفون الموبقات، حتى إذا وجدوا أنفسهم في حرم رمضان ضجت ألسنتهم بالتهليل والتكبير، وارتعدت فرائضهم من خشية الله، ولزموا حلقات الدروس في المسجد يستنشقون روائح الجنة من نسمات هذا الشهر المبارك!

ولكن فريقا من الأدباء - عفا الله عنهم - قد أخذوا يغازلون شهر الصيام مغازلة شكا منها إلى ربه، ثم تحولت المغازلة على ممر الأيام إلى عداء مستحكم، فبعد أن كان الشاعر لا يزيد على قوله:

نُبئتُ أن فتاة جئت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول

أو قوله:

أتأمرني بالصوم لا درّ درها ... وفي القبر صوم يا أميم طويل

بعد أن كان لا يزيد على ذلك وجدنا الأمر قد استحال فجأة إلى هجو لاذع، وسب مبرح، لا نظن إلا أن الله عز وجل سينتقم للظالم فيه من المظلوم يوم يقوم الناس لرب العالمين

وأول من أعلن هذه الحرب الظالمة - فيما نعلم - هو هذا الأعرابي الفدم الذي يروى ابن قتيبة في عيون الأخبار قصته فيقول:

(قدم أعرابي على ابن عم له بالحضر، فأدركه شهر رمضان، فقيل له: يا أبا عمرو، لقد أتاك شهر رمضان! قال: وما شهر رمضان؟ قالوا: الإمساك عن الطعام! قال: أبا لليل أم بالنهار؟ قالوا: بل بالنهار؛ قال: أفيرضون بدلا من الشهر؟ قالوا: لا؛ قال: فإن لم أصم فعلوا ماذا؟ قالوا: تضرب وتحبس. . . فصام أياما فلم يصبر، فارتحل عنهم إلى غيرهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>