أما آن للتاريخ أن ينصف هذا المصري الفلاح وأن يحدد له
مكانة بين قواد حركتنا القومية؟
للأستاذ محمود الخفيف
وذهب الضباط على رأس من أخرجوهم إلى الخديو يسمعونه شكواهم، وكان بعض أعوان الخديو يشيرون عليه بأخذهم بالشدة ومعاملتهم معاملة الثائرين ولو أدى الأمر إلى إطلاق النار عليهم، وقال البعض إن من العبث أن تلجأ الحكومة إلى البطش وليس لديها وسائله، فالفرق جميعاً تؤيد عرابياً ومن معه، والرأي أن يسلك الخديو معهم جانب اللين فيطفئ بذلك نار الفتنة
وتغلبت الحكمة على الطيش ووضع اللين في موضع البطش، فأوفد الخديو إلى الضباط الثلاثة ومن ظاهرهم من الجند تحت نوافذ قصره يخبرهم بإجابة مطلبهم الأول فقد عزل رفقي، وطلب إليهم أن يختاروا من يحل محله حتى لا يعووا إلى الشكوى، فوقع اختيارهم على محمود باشا البارودي؛ ووعد الخديو بالنظر في بقية مطالبهم والعمل على إنصافهم. وطلب الضباط الإذن على الخديو فمثلوا بين يديه وأعربوا له عن امتنانهم وولائهم لشخصه وإخلاصهم لعرشه، ثم انصرفوا وانصرف الجند فرحين مستبشرين
وكان على الخديو أن يتدبر الأمر منذ بدايته وينظر ما إذا كان لديه قوة يقمع بها الحركة إن كان لا بد من وضع العنف موضع العدل؛ فإن عدم القوة كان أمامه أن يلجأ إلى اللين غير مكره ولا مغلوب على أمره. . . ولكنه تصرف في الأمر على نحو ما رأينا فأفضى إلى نتائج خطيرة سوف تؤثر أثرها في مجرى الحوادث، فظفرُ الجند بمطالبهم في عنف وعجز الحكومة عن مقاومتهم قد وضع الخديو وحكومته في موضع الضعف وأحل عرابياً وحزبه محل التوثب والتطلع وجعلهم مناط الرجاء والأمل هذا إلى ما تركه هذا الحادث من سخيمة في نفس الخديو يصعب بعدها كل تفاهم ويلبس فيها كل حق بالباطل؛ ثم من حذر وريبة في نفوس الجند يلقيان على كل حركة من حركات الحكومة شبح الغدر ويلبسان كل عمل