ضمني مجلس قال أحد من فيه - وقد ذكر بعضنا وفاة الملك جورج الخامس، وقول الأطباء إنهم لم يشهدوا أعراض مرض معين، وأن قواه كانت تهبط شيئاً فشياً -: (إن من الصعب على الإنسان أن يواجه الموت وهو محتفظ بعقله)، فقال آخر إن الذي يخفف عنه في هذه الساعة أنه يستسلم للموت ولقضاء الله فيه، فسألته:(هل معنى هذا أنه يقبل على الموت راضياً ويتلقاه مغتبطا؟
فكان جوابه: (نعم. . . . يستسلم فيفقد الموت لذعه ورهبته). . . ولست طبيباً ولا شبهه، ولكني لا أرى هذا ولا أستطيع أن أقتنع به؛ وعندي أن الإنسان لا يزال إلى آخر عمره يثور على الموت وبجاهد أن يدفعه عنه ويقي نفسه منه؛ ولكن جسمه يفقد الحيوية فتذهب معها الإرادة - لا إرادة الحياة، فإنها لا تفارقه أبداً، بل إرادة المقاومة والكفاح بعد استنزاف القوة، ويظل المرء كارهاً للموت مشتهياً للحياة متعلقاً بها، ولكنه يعرف من نفسه أنه لم يعد قادرا على المجاهدة، ويخطئه العون اللازم من الجسم فيكون كالذي فقد في المعركة سلاحه، أو فرغت ذخيرته والأعداء مطبقون عليه، فيوطن نفسه على الموت يأساً من النجاة
والمرء إنما يقاوم الموت بجسمه، وقد يستطيع بقوة الإرادة أن يطيل أمد المقاومة؛ ولكن استمرار المقاومة معناه أن جسمه لا يزال محتفظاً ببقية من القوة مذخورة - بالغة ما بلغت من الضآلة - وبهذه البقية يستطيع أن يجعل لإرادته أثراً ولمقاومته لعدوان الموت مظهراً، فإذا زالت هذه البقية ونضب المعين، لم يبق للإرادة عمل، لأن الأداة التي تعمل بها الإرادة تكون قد فنيت وذهبت
ولا فرق هناك بين من يكافح الموت - في الأحوال العادية الطبيعية - وبين من يقاتل مع جيش. فكما أن الجندي يثبت ويصمد ويتسنى له أن يكر ويفر، ويهاجم ويدافع ما بقي معه سلاحه وعدته، حتى إذا فقد ذلك لم يبق له عمل، كذلك يكون المرء حيال الموت الذي يدلف إليه ويدنو منه على الأيام ليثبت عليه آخر الأمر. وكل ما هنالك من الفرق أن الموت كامن فينا، وأن أداته الضعف الذي يصيبنا، والهرم الذي يدركنا، والعجز الذي يستولي علينا في النهاية، فهو ليس عدواً يهجم علينا، بل حالة نصير إليها حينما تنفد الحيوية لسبب من