قد يكون الإقبال على هذا الفلم الناطق بالألمانية ضعيفاً، لأن مخرجه لم يترك مجالاً للمادة تعبث بالفن، وللمصلحة تغلب على العاطفة، وللعبث تسطو يداه على (مثل أعلى) ألفته عبقرية - أقامت في الأرض عمرها - بمداد روحها ودماء قلبها. على أن هذه الحياة قد فسدت، ولم يبق خالصاً ظاهرها ولا باطنها، فالقوم قد لجوا من صراع المادة المستحوذة عليهم، وهم الذين تركوا لها مجال التسيطر، تفر منهم، وهم إليها يفرون! وقد آل بهم هذا الصراع الدائم إلى أن يعموا عن جوهر الحياة الذي وضعته الحياة على أبنائها يوم كانت، فهم من صراع إلى صراع، ومن نزاع إلى نزاع، لا ترتاح لهم جنوب ولا تستقر مضاجع. أحلامهم طافحة بالعراك كيقظاتهم، وليت شعري لِمَ هذا العراك، وليت فيه هذا النزوع إلى محجة الحياة، فهم مضطرون إلى تهدئة أعصابهم المجنونة وقلوبهم الثائرة باللهو واللعب، يطلبون اللهو متى انتهوا من جدهم، ويتوخون العبث متى خرجوا من دائرة عملهم. لهو كثير وجد كثير تذوب بينهما حياة شفافة في سبيل الحياة البهيمية! وقد شعرت السينما بتعب الإنسانية وأحست بضناها، فأحبت أن تسعفها في جهادها، وتريها ومضات تلمع وتخبو في جنبات (الشاشة البيضاء). فهي تتشبث بالألحان والحسان ومظاهر الخيال الذي لا ينطبق على حقيقة، لتفرِّج عن هذه الإنسانية المنكوبة، ولكنه دواء من ينقش الشوكة بشوكة، وينير للشمعة سبيلها بذوبها. لأن مثل هذه الألحان المضطربة والنجوم الساطعة الخابية سرعان ما تفقد تأثيرها لأنها لم تصب هدفاً معلوماً ولم تطرق نهجاً مرسوماً
قد تكون السينما للأدب حليفة وقد تكون عدوة، لأنها تريد أن تهضم (الأدب) وتبلع زاد