للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأميرة علية بنت المهدي]

١٦٠ - ٢١٠

للأستاذ سعيد الديوه جي

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

غناؤها

ورثت هذا الفن الجميل عن أمها مكنونة التي غرست في نفسها الطرب منذ نعومة أظفارها فشبت مطبوعة على التلحين والغناء والعزف، ولم تكن عُلية من المقلدات لغيرها في هذه الصنعة، بل إن أشهر المغنين كانوا يسعون إليها ويأخذون عنها. وقد وضعت ثلاثة وسبعين صوتاً، فكانت من أجمل الأصوات التي يتغنى بها في العصر العباسي. ذلك لأن الأبيات التي غنتها كانت صادرة عن روحها الشاعرة، وهي أعلم الناس بمعناها، فكانت أبدع الناس في مغناها. ولها بعض الأصوات كان يتغنى بها الكبير والصغير، والسوقة والأمير، والعالم والجاهل؛ وانتشرت بين جميع طبقات الشعب ومنها الصوت التالي وهو من نظم (وضاح اليمن) في محبوبته (أم البنين).

حتام نكتم حزننا وِإلاما؟ ... وعلام نستبقي الدموع علاما؟

إن الذي بي قد تفاقم واعتلى ... ونما وزادت وأورث الأسقاما

قد أصبحت أم البنين مريضة ... أخشى بما نقلوا على حماما.

وإن شهرة أخيها إبراهيم في الغناء كانت مستمدة منها، لأنها كانت كلما وضعت صوتاً استدعت إبراهيم وألقته عليه حتى يتقنه. ثم تأمره أن يعلم جواريه وجواريها هذه الألحان، فكان إبراهيم يتولى تعليم الجواري. وأحدثت عُلية ميلا كبيراً إلى الفنون الجميلة بين أعضاء الأسرة المالكة، كانت هي زعيمة الحركة وأخذ عنها أخوها إبراهيم وفاق كثيراً من أهل عصره حتى قالوا: (إنه لم يُرَ في جاهلية ولا إسلام أخ وأخت أحسن غناء من إبراهيم بن المهدي وأخته عُلية وكانت تقدم عليه) كما كان أخوها يعقوب زامراً مشهوراً وأختاها تضربان على العود ضرباً فائقاً.

وقصرها كان أشبه بمدرسة فنون جميلة يتردد في جوه ما أبدعته علية من الشعر، وما

<<  <  ج:
ص:  >  >>