أشكر لأدبكم وكرمكم التفضل بالحضور للتسليم على صديق كان قد اغترب مدة في سبيل خدمة العلم في العراق
وأعتذر عن كلمة (اغترب) واقترح حذفها من المعاجم فهي كلمة تفردت بها اللغة العربية، ولا يكاد يوجد لها نظير في اللغات الأجنبية، وعن لغة العرب نقلت إلى الفارسية والتركية وهي كلمة حزينة يتمثل سوادها في كلام من يقول:
وكل محبّ قد سلا غير أنني ... غريب الهوى يا ويح كل غريب
وفي كلام من يقول:
أنا في الغربة أبكي ... ما بكت عين غريب
لم أكن يوم خروجي ... من بلادي بمصيب
عجباً لي ولتركي ... وطناً فيه حبيبي
ولي مع هذه الكلمة الحزينة تاريخ، فقد سببت أول معركة أدبية شهدتها في العراق، ذلك بأني كنت نشرت مقالاً في مجلة الرسالة عنوانه (القلب الغريب في ليلة عيد)
فعزّ على أدباء العراق أن أقول إني في بلدهم غريب، ودار الجدل أشهراً حول ذلك المقال في الجرائد والمجلات. والحنين إلى الوطن مرض لا يصيب غير الضعاف في عالم الإنسان والحيوان، فأرجو أن يكون فينا من القوة ما يعصمنا من هذا المرض العضال.
أنا ما كنت غريباً في العراق، وإنما كنت بين أهلي وقومي.
وإذا صح للمصري أن يشعر بالغربة وهو في وطن عربي مثل العراق فماذا ترونه يصنع لو هاجر إلى بلد في استراليا أو في إحدى الأمريكتين؟
لقد آن للمصري أن يبرئ نفسه من ذلك المرض الذي يقضي بان يتوجع حين تنقله الحكومة من القاهرة إلى حلوان، آن للمصري أن يفهم أن في دمه روحاً عربياً يسوقه إلى الانتقال من أرض إلى أرض في سبيل المنافع العلمية والأدبية. آن للمصري أن يفهم أن رجولته لا تكتمل إلا إذا واجه المصاعب واستطاع أن يخلق لنفسه ولوطنه أصدقاء في مختلف البلاد.