وما أقول إني كنت أقوى من سائر الزملاء الذين تشرفوا بخدمة العلم في العراق، وإنما أقول إني رضت نفسي على التخلق بأخلاق أسلافنا من العرب فرأيت الأرض كلها وطناً أصيلاً ولم تجر كلمة الغربة على لساني إلا تأثراً بالميراث الحزين الذي قضى بأن تتفرد لغتنا بكلمة (غريب) من بين سائر اللغات.
ولما زار سعادة العشماوي بك مدينة بغداد دعا الأساتذة المصريين لسماع ما قد يكون عندهم من مقترحات أو شكايات، فمضيت أبحث عمن أعرف منهم لأصدهم عن حضور ذلك الاجتماع فقد كنت أحب ألا يكون بيننا وبين حكومة العراق وسيط ولو كان ذلك الوسيط هو العشماوي بك الذي أحب العراق وأحبه العراق.
إن صداقتنا للعراق لا تزال في أول عهد من عهود التكوين، وهي لا تزال في حاجة شديدة إلى من يحرسها ويرعاها، وهي تستحق الحراسة والرعاية لأنها رباط بين أمتين كانت بينهما صلات ودية من أقدم عهود التاريخ.
ولا يعرف قيمة هذه الصداقة إلا من زار العراق. فأهل العراق بمودتهم المتينة يبعثون فينا شعور الثقة بالنفس، ويفرضون علينا أن نؤمن بأن جهادنا في سبيل العلم والمدنية لن يضيع.
أهل العراق منا ونحن منهم. ولو نطقت الأحجار لحدثتكم أن علماء العراق اتصلوا بمصر ونقلوا إليها علومهم ومعارفهم يوم أراد التتار أن يقرضوا حضارة بغداد.
ولعل هذا هو السبب في أن مخارج الحروف لا تتفق بين أمتين عربيتين كما تتفق بين مصر والعراق.
أهل العراق منا ونحن منهم؛ فالمؤلفات القديمة في معاهد مصر هي في الأغلب عراقية، والمؤلفات الحديثة في معاهد العراق هي في الأكثر مصرية. فأرجوكم بالله أن تكونوا جميعاً أنصاراً للأخوة التي تربط بين مصر والعراق.
وقد عجب بعض الناس حين رأوني أتصدى لدفع الأذى عن سمعة العراق، فاعرفوا إن شئتم أني أدفع ديناً ثقيلاً. فأهل العراق في أنديتهم وجرائدهم ومجلاتهم ومدارسهم يدفعون عن مصر قالة السوء ويخاصمون في سبيلها كثيراً من الناس، ولو عرفتم من ذلك بعض ما عرفت لرأيتم أن من القليل أن ينهض كاتب أو كاتبان للإشادة بفضائل أهل العراق.