أذاعت الصحف نبأ هذه الهبات السخية التي أغدقتها وزارتا المعارف والأوقاف على الكبتن كرسويل المحاضر المنتدب بالجامعة المصرية في الآثار الإسلامية، وقد بلغ مجموع هذه الهبات بضعة آلاف جنيه، دفعت إليه معاونة له على إخراج مؤلف يضعه بالإنكليزية عن العمارة الإسلامية في مختلف العصور؛ وقد أخرج منه إلى الآن الجزء الأول من أربعة أجزاء، ويتعهد الأستاذ كرسويل مقابل هذا السخاء الحاتمي الذي شملته به الحكومة المصرية أن يسمح لوزارة المعارف بترجمة مؤلفه إلى العربية، وأن (يهدى إليها) خمسين نسخة من كتابه.
وتشجيع المباحث العلمية والتاريخية على هذا النحو أمر مستحب لذاته. ولنترك البحث فيما إذا كانت جهود الأستاذ كرسويل ومباحثه جديرة بمثل هذا التشجيع. ذلك أننا نحمد المبدأ لذاته ونؤيده بكل قوانا؛ بيد أنا نود أن نلاحظ أنه لم يسبق لوزارة المعارف أو وزارة الأوقاف أن أبدت مثل هذا العطف أو أسبغت مثل هذه الرعاية على أحد من المصريين الذين يشتغلون بهذه المباحث أو غيرها، مما يجدر تقديره وتشجيعه؛ ولم تضع وزارة المعارف أو الجامعة المصرية وغيرهما من الهيئات العلمية الرسمية لنفسها أي تقاليد في هذا الشأن بالنسبة للعلماء المصريين وإن كان من تقاليدها أن تشجع العلماء الأجانب لأي مناسبة.
ربما قيل في ذلك إن المباحث العلمية والتاريخية لم تبلغ في مصر مستواها المنشود من التقدم والنضوج، وأن جهود العلماء المصريين لم تظهر بعد بمظهر يجدر بالتقدير والتشجيع. ولكنا نبادر فنقول إن هذا الاعتراض لم يبق له محل بعد، وإنه يرجع إلى نوع من التحامل القديم الذي نألفه دائماً في حكومات يطبعها الأجنبي بوحيه وتأثيره، والذي يتخذ مظهره في انتقاص الجهود القومية والاغضاء عن تقديرها وتشجيعها حتى لا تنمو وتزدهر وتكون قوة معنوية في الأمة. ومن التحامل أن ننكر أنه يوجد بين العلماء والباحثين المصريين عدة ممن ينافسون الكبتن كرسويل ومن هم في مستواه من العلماء الأجانب، على الأقل في ميدان المباحث الإسلامية؛ وإنه إذا كانت جهودهم مغمورة غير ظاهرة، فذلك لأنهم يعملون في جو من العزلة واليأس، ولا يأنسون لدى حكومتنا أو لدى هيئاتنا العلمية أي عطف أو تشجيع. وإذا سلمنا جدلاً بأن علماءنا وباحثينا لم يبلغوا بعد من