ارتفع مستوى الحياة وكثرت نتيجة لذلك مطالبها وغدت الكماليات ضروريات لا غنى عنها، فبات الحصول عليها عبئاً ثقيلاً على كاهلرب الأسرة. وكان من أثر ذلك أن صار المرء يرى نفسه مرغماً على مضاعفة العمل وزيادة الجهود، فيكدح ويجد حتى يتمكن من السير في ركاب الحياة ومتابعة قافلة الزمن وتيار العصر.
وليس هذا الوضع بحديث أو مستهجن في هذه الأيام، إذ ظهرت بوادره عندما بدأ الانقلاب الصناعي في أوربا في القرن الثامن عشر، ذلك الانقلاب الذي غير الأوضاع وأدخل استعمال الآلات بدل الأيدي في المصانع والمواصلات فكان من جراء ذلك أن تقدمت الحضارة وتعددت مطالب الحياة.
وظهر على أثر ذلك شعراء عاطفيون تبصروا فيما حولهم فألفوا مواطنيهم منهمكين في العمل مكبين على الدرس والتحصيل، ورأوا في الوقت ذاته مناظر الطبيعة الجميلة ومشاهد الكون البديع فآلمهم إهمال قومهم لتلك المناظر وانشغال مواطنيهم عن تلك المشاهد، فأطلقوا العنان لألسنتهم وانبروا يحثون القوم على التمتع بالحياة والتلذذ بالطبيعة، وكان إمامهم في ذلك الشاعر الموهوب وليم وردز ورث (١٧٧٠ - ١٨٥٠) ومن قصائده في ذلك تلك التي يقول فيها:
صاح دع كتبك وأنهض قبل أن ينثني ظهرك،
قم وأرح بصرك ومتع عينيك. لم كل هذا الكد والنصب؟
لقد نشرت الشمس على هامات الجبال فيضاً من النور الوهاج
الذي يضفي عند المساء صبغة ذهبية على الحقول والمروج
أما الكتب فهي نضال بليد لا نهاية له. تعال هنا وأصغ إلى عندليب الغابة وشنف أذنيك بموسيقاه العذبة التي تحمل في ثناياها من الحكمة ما لا تحمله الكتب في طياتها.
أصغالآنوأنصت إلى غناء الكروان فهو أيضاً مرشد عظيم الشأن.
تعال وتغلغل في صميم الأمور، وليكن لك من الطبيعة خير معلم