عرضنا في مقال سابق للونين من ألوان الأدب، وضربين من ضروب الخلق الفني هما الكلاسيكية والرومانتيكية، وأبنا كيف اضطرب القول فيهما وتضارب الرأي في مدلولاتهما ومعانيهما، ثم رجعنا بالذاكرة إلى القرن الثامن عشر، وألمعنا إلى اهتمام الأدباء الإنجليز بآثار الماضي التالدة، وإلى اشتغالهم بدراستها وتبيان محاسنها. تلمس ذلك في أحاديثهم، وتستشفه في كتاباتهم، وتطالعك به تواليفهم، حتى لقد يشتد بك العجب ويأخذ منك كل مأخذ، فأنت لا تقع على كاتب أو شاعر إلا وقد أغرق في وصف هذه الآثار والأطلال والرسوم، وأمعن في التعبير عن إعجابه بها، فهو مفتون بروعتها، مأخوذ بسحرها وجاذبيتها.
ولا عجب، فهذه أشياء كلها ذات طابع ابتداعي يزينها ويجملها تنفرد به ويختص بها، غير أنها ليست ذات طابع رومانتيكي فحسب، بل هي تتسم أيضاً بطابع قوطي، له ما للطابع الرومانتيكي من خصائص ومميزات، وبينه وبين الكلاسيكية من بون شاسع واختلاف كبير كالاختلاف بيم الرومانتيكية ولكلاسيكية. فهناك مقطوعات رومانتيكية أو قوطية، كما أن هناك مقطوعات كلاسيكية. وتكون المقابلة بين رومانتيكية هذه المقطوعة وبين كلاسيكية تلك. ولا أدل على ذلك أو أبلغ من قول هرد في (رسائله عن الفروسية والرومانس أن منظومة الملكة الجنية للشاعرة الإنجليزية الكبيرة إدمند سبنسر منظومة قوطية، وليست كلاسيكية كما يزعم البعض.
ومن ثم فأنت ترى إن الطابع القوطي ينبئ عن عصور غابرة أزال الله من دولتها، فانطمس رسمها ودرس منها، هي العصور الوسطى، وأنت ترى أن مثله في ذلك مثل الطابع الرومانتيكي تماما. فهو يترامى مثله إلى ابعد غايات الشذوذ والاضطراب بدلا من التجانس والاتساق، وهو يمتاز بخيال مقرب يتنكب الطريق المطرق، فيجد عن المألوف ويخرج على المعروف.
وما كان الأدب إلا شكلاً من أشكال الفن يقومّ بما يقوم به الفن من معايير، ويقاس بما يقاس به، وبصدق على الفن ما يصدق عليه. والأدب شعر ونثر وما يتصل بالشعر والنشر من