عاد الناس في هذه الأيام إلى الكلام في مسألة الحجاب، وكان سبب عودتهم إليها ما حصل من رغبة طائفة الهنود المنبوذين في الإسلام بعد خروجهم من ديانتهم، وقيل إن وجود الحجاب في الإسلام مما يستعمله بعض أعدائه لصرفهم عن الرغبة فيه؛ وقد حملني هذا على بيان حقيقة هذا الحجاب على صفحات مجلة (الرسالة) الغراء، لانتشارها في الهند وغيره من الأقطار الشرقية، ولعلي بهذا أقضي على هذه الدعاية الخبيثة التي يراد بها صرف تلك الطائفة عن الهداية الإسلامية.
ويجب لأجل أن نعرف حقيقة هذا الحجاب أن نذكر الآية التي نزلت فيه، وهي قوله تعالى في سورة الأحزاب:(يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه، ولكن إذا دعيتم فادخلوا، فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث. إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق. وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب. ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن. وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم كان عند الله عظيما).
وقد عرفت هذه الآية بأية الحجاب، وصار الحجاب في الإسلام اسماً لهذا الحجاب الذي نزل فيها، ولا يوجد شيء آخر مما يتعلق بالنساء يطلق عليه هذا الاسم. وقد نزل هذا الحجاب في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ويراد منه منع اختلاطهن بالرجال بحيث لا يراهن الرجال أبداً ولا يكلمونهن إلا مع هذا الحجاب. والحكمة في فرضه عليهن أنه أريد بعد تحريمهن على غير النبي صلى الله عليه وسلم قطع العلائق بينهن وبين الرجال، ليكون في هذا صونهن، والبعد بهن عمن أريد قطع أطماعهم فيهن. وقد جرى الإسلام في هذا على عادته من إعطاء الوسيلة حكم ما يتوسل بها إليه، سداً للذرائع، ولأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. ويؤيد هذا ما في الآية من قرن هذا الحجاب بحكم ما بينهما من هذه العلاقة.
وقد نزل في ذلك أيضاً قوله تعالى في سورة الأحزاب: (يا نساء النبي لستن كأحد من