لم يكن بد لهذه الناسكات السيئة التي منيت بها قضايا العرب والمسلمين وقضايا دولية أخرى في هيئة الأمم من أن تخلق في عقول الناس وأفئدتهم فتورا إزاء كل ما يصدر عن هذه الهيئة العالمية من نشاط.
وليس في ذلك من عجب. فهيئة الأمم المتحدة في ميثاقها وفي أهدافها نتاج فكري تحمست ليصاغته وتحديده في أعقاب الحرب العالمية الأخيرة جماعة من أئمة الفكر السياسي المعاصر مزودين بمثالية عميقة ودراسة دقيقة لمشاكل الإنسانية وآمالها، ورغبة صادقة لإصلاح ما أفسدته الحروب وشرورها من دنيا الناس وفي عقولهم وأفئدتهم.
ولكن تاريخ الإنسانية منذ أقدم العهود يأبى إلا أن يتجاهل قوالب الفكر الصائب ودعائم المثالية الصادقة؛ ويندفع في صياغة الأحداث على نحو يراعي جنون السياسة وشذوذ أساليبها ومسالكها أكثر من مراعاته لاتزان الفكر وروحانية المثاليين من بناة المجتمع الذين تجردوا مما يتعرى السياسة العملية من انتهازية لا ترحم ومكر لا يرتدع.
وفي خضم هذه الجلبة التي تنبعث عن شقاق المعسكرين المتطاحنين الغربي والسوفيتي في حلقات الأمم المتحدة وصدى تراشق التهم ومساوئ السلوك الذي توجه به وفود هذين المعسكرين أعمال الأمم المتحدة وقراراتها. . . في هذا الخضم تندثر معالم جزء عام من العلاقات الإنسانية تعمل على خدمته هيئات اختصاصية متفرعة عن هيئة الأمم في واحدة أو أكثر من هذه القاعات الهادئة المكيفة بأحدث آلات التهوية والإضاءة والمزينة بفاخر الأثاث والتي تطل على النهر الشرقي التي تحيط بمقر الأمم المتحدة الدائم هنا في نيويورك. ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة واحدة من الهيئات الاختصاصية التي تعمل خلال انفضاض الجمعية العامة في فصل الربيع والصيف وهذه اللجنة هيئة لا تضم جميع الدول الأعضاء في هيئة الأمم - وهم ستون دولة - وإنما تقتصر على فئة مختارة تمثل نختلف النظم السياسية المعاصرة والمناطق الجغرافية التي تقسم إليها هذه المعمورة، ففيها الروس والأمريكان والبريطانيون والفرنسيون؛ وفيها من يمثل القارة الآسيوية والشرقي العربي وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.