وقد أنشأت هذه اللجنة منذ أن استقر لهيئة الأمم كيانها الداخلي في السنتين الأوليين من عمر هذه المؤسسة العالمية. وكلفت هذه اللجنة في عام ١٩٤٧ أن تصوغ ميثاقا عالميا يضمن للفرد في المجتمع ما وهبه الله من حقوق طبيعية وما اكتسبه من حقوق قانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية وفرها لها تاريخ الفكر وصراع الناي وتطور المجتمع على مدى الأجيال.
إذن فمهمة اللجنة هي في الواقع مهمة مثالية المفروض فيها أن تستوحي العقل والروح؛ وإن تتجنب نزاعات السياسة الانتهازية وفوضى السلوك الدولي الذي يهيمن على أعمال معظم اللجان والهيئات والمجالس في الأمم المتحدة.
وكان من المنتظر أن يستغرق وضع هذا الميثاق العامل لصيانة حقوق الإنسان وقتا طويلا. لكل ثقافة ولكل كتلة سياسية تفسير خاص عن جوهر الحقوق والواجبات للفرد في المجتمع الأكبر، وهذا التباين مردة اختلاف اجتهاد الثقافات والنظم الفكرية وفلسفات السياسة والاقتصاد في إيضاح صلة المواطن بدولته والنظم القائمة عليها؛ وعلاقة الفرد بالجماعة الإنسانية التي تشاركه العيش في بقعة معينة من هذا العالم الواسع.
ومضت لجنة حقوق الإنسان تعمل في تؤده، فتوصلت في دورتها الأولى والثانية (١٩٤٧ و١٩٤٨) لوضع مسودة الميثاق وخطوطه الرئيسية، واتفقت مبدئياً على أن تنشر في الناس الأسس الفكرية وخلاصة المبادئ والنظريات التي تستند إليها في صياغة المواد التفصيلية لهذا الميثاق العالمي، ومن ثم وضعت وثيقتها الموجزة المعروفة (بإعلان حقوق الإنسان) وهي بيان قصير لا يعرض جوهر الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لبني البشر، ولا يدخل في تفصيلها وتعريف الناس بنا يتصل بها من حقوق فرعية وصيانة ذلك والمطالبة به. وتركت هذه التفاصيل الجوهرية إلى الميثاق الشامل الذي قررت اللجنة متابعة الدارسة والبحث في مواده وفصوله إلى الدورات القادمة.
وفي سنة ١٩٤٨ وافقت الجمعية العامة لهيئة الأمم على صيغة (إعلان حقوق الإنسان) كما صاغته اللجنة، وأوصت الجمعية العامة اللجنة بأن تتابع عملها لصياغة المواد التفصيلية لهذه الحقوق.
وأخذت اللجنة تعقد دورات متتابعة فاجتمعت في عامي ١٩٤٩ و١٩٥٠ وتوقفت عن العمل