قد يعجب القارئ الكريم من هذا العنوان. وقد يتبادر إلى ذهنه أسئلة عديدة؛ ما علاقة الصفر بالمدنية؟ وهل للصفر قيمة ليكون له أثر في تقدم المدنية؟ أليس الصفر صفراً يعني الفراغ والعدم؟ إذن فكيف يوضع هذا العنوان ويصرف له بعض الاهتمام؟
ولكن مهلا. . . لقد فكرنا في هذا الموضوع، ورجعنا إلى الكتب الرياضية وغير الرياضية، فتبين لنا أن للصفر خصائص وأفضالا. وما يكون لنا أن نقتحم هذا الموضوع لولا أن البحث قادنا إلى ذلك. وفي هذا المقال سنحاول تباين الفوائد التي تجنيها المدنية من الصفر، كما سنأتي على التسهيلات التي قدمها للبحوث الرياضية وغير الرياضية، والتي لولاها لما تقدمت العلوم الرياضية تقدمها المشهود، ولما استطاع العلماء أن يتقدموا بالجبر خطوات واسعة، وبالتالي لما استطاعوا أن يتقدموا بالتي تعتمد على الرياضيات في كثير من مباحثها كالفيزياء والفلك والكيمياء.
نبذة تاريخية
وقبل ذكر شيء عن الصفر وخصائصه وفوائده نرى أن نذكر أولاً نبذة عن تاريخ الترقيم واستعمال الصفر. إن النظام الذي نتبعه الآن في الترقيم مبنيّ على أساس القيم الوضعية، وبواسطته يمكن ترقيم جميع الأعداد وإجراء الأعمال الحسابية بسهولة كبيرة. ولقد بقيت الأمم في القرون الخالية كالمصريين والبابليين واليونانيين وغيرهم محرومة من هذا النظام؛ وكانوا يجدون صعوبة في إجراء الأعمال الحسابية، حتى أن عمليتي الضرب والقسمة كانتا تقتضيان جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً. ولو قدّر لأحد علماء اليونان من الرياضيين أن يبعث فقد يعجب من كل شيء، ولكن عجبه يكون على أشده، إذ يرى أن أكثر سكان الأقطار في أوربا وأمريكا يتقنون عمليتي الضرب والقسمة ويجرونها بسرعة ودون عناء.
ولما نهض العرب نهضتهم العجيبة ودوّخوا أكثر أقطار المعمورة، اتصلوا بالهند فاقتبسوا منها الأرقام الهندية وقد قدروا النظام الترقيمي عندهم (عند الهنود) ففضلوه على حساب الجمل الذي كانوا يستعملونه قبلاً. ومن الغريب أن في بلاد الهند أشكالاً متنوعة ومختلفة