للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الدوق دي لاروشفوكو]

للدكتور حسن صادق

ورأى لاروشفوكو أن يرضي الدوقة فانضم إلى أخيها ودارت رحى القتال. وفي ٧ أبريل عام ١٦٥٢ انتصر جيش الملك في (بلنو) وأثناء ذلك عاد مازاران إلى فرنسا وبدأ يستخدم الحيلة والدهاء في إخماد الثورة، وعرف لاروشفوكو أن الدوقة أعرضت عن حبه وكلفت بالدوق دي نيمور فآلمه ذلك جد الألم. وقد ذكرت حفيدة الدوقة في مذكراتها أن لاروشفوكو كان شديد الرغبة في قطع هذه الصلة والخلاص من هذا القيد. واستدلت على صحة قولها بإحدى مواعظه: (لما نمل الحب، نغتبط إذا خان الحبيب عهد وفائه، لأنه بعمله هذا يحلنا من عهد وفائنا له). ولكن الغيرة بقيت تخز قلبه زمناً طويلاً لأنها كما قال في موعظة أخرى: (تولد مع الحب ولا تموت في كل حالة معه)

نال إعراض الدوقة منالا كبيرا من كبريائه، ولكنه استمر في القتال يشد أزر أخيها. ثم حدثت موقعة حي سان انطوان، وقتل فيها كثير من النبلاء، وأصيب لاروشفوكو برصاصة في وجهه كادت تقضي على بصره، فنقل إلى مستشفة لبانكور وكان هذا آخر عهده بالحرب الأهلية، وجنبته هذه الإصابة عار الاشتراك مع كونديه في قيادة جيش من الأسبان ضد بلاده

ونذير بهذه المناسبة أن عهد الحرب الأهلية من أسوأ العهود التي مرت بها فرنسا، فقد أظهر النبلاء أثناءه نزقا كثيرا، ونبغوا في فن الدسيسة، وكشفوا عن الأثرة المتأصلة في نفوسهم، وجمعوا كل وطنيتهم في مصالحهم الذاتية، وتكالبوا على متع الحياة في جشع وضيع، وكاد بعضهم لبعض في سبيل الألقاب والرتب، وأسالوا الدماء، وأسلموا البلاد للفوضى تفتك بها دون أن يروعهم وازع نفساني. كان كونديه ولاروشفوكو ومن إليهما في ذلك العهد قطاع طرق ورؤساء مناسر، تنهب وتحرق وتهتك الأعراض في مرح وحشي. واهتبل النبلاء فرصة الاضطراب فعاشوا في البلاد ذئابا إقطاعيين، وساءت حال الفلاح حتى عزت عليه اللقمة التي تحفظ ذماءه، وامتلأت السجون بالبائسين الذين عجزوا عن دفع الضرائب الباهظة المفروضة عليهم، ورأت باريس في عام ١٦٥٢ مائة ألف جائع يهيمون في طرقاتها ويستجدون أهلها وهم في أسمال بالية. ولهذه الأسباب فرح الشعب لما

<<  <  ج:
ص:  >  >>