للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ثورة في الجحيم]

للأستاذ حمدي الحسيني

جميل صدقي الزهاوي رحمه الله شاعر عربي كبير نشأ في بغداد وأشتغل فيها بالصحافة والتعليم. وقد أصابه وهو في الخامسة والعشرين من سني حياته مرض عضال في نخاعه الشوكي لازمه طول حياته. وقد زار الآستانة في عهد عبد الحميد الثاني فضاق صدر السلطان به، فتأثره الجواسيس وضيقوا عليه، فنظم قصيدة ذم بها عبد الحميد وسلوكه، ودفعته الجرأة أن ينشدها أبا الهدى الصيادي، فكتب بها أبو الهدى تقريراً دفعه إلى السلطان فكان ذلك سبباً في سجن الزهاوي

أيأمر ظل الله في أرضه بما ... نهى الله عنه والرسول المبجل

فيفقر ذا مال وينفي مبرءاً ... ويسجن مظلماً ويسبي ويقتل

تمهل قليلاً لا تغض إنه إذا ... تحرك فينا الغيظ لا نتمهل

وأيديك إن طالت فلا تغترر بها ... فإن يد الأيام منهن أطول

وقد عين الزهاوي بعد الانقلاب العثماني أستاذاً للفلسفة الإسلامية في (مكتب الملكية) في الآستانة وعين في الوقت نفسه مدرساً للأدب العربي في جامعة دار الفنون، وأنتخب نائباً عن متصرفيه (المنتفك) من أعمال العراق، في مجلس النواب العثماني، ثم عاد لبغداد بعد انقشاع الحكم العثماني عن العراق، فعين عضواً في مجلس المعارف ثم رئيساً للجنة ترجمة القوانين العثمانية. وللزهاوي مقالات في مواضيع شتى نشرتها له المجلات العربية المعتبرة، وله من الكتب العلمية والأدبية الشيء الكثير. وأما دواوينه الشعرية فخمس دواوين آخرها ديوان الأوشال، وهو يجمع بين دفتيه كل ما نظم الزهاوي في سن النضوج.

يبدو لنا من شعر الزهاوي أنه كان حريصاً على أمرين، أن يشتهر بالفلسفة وأن يدعي نصير المرأة. ولا نستطيع هنا أن نمر بهذه الظاهرة النفسية دون أن نعللها تعليلاً نفسياً. فالزهاوي رحمه الله كان مطوي النفس على شعور بالنقص، وهذا الشعور قد كونته في نفسه عوامل شتى يرجع أكثرها وأقواها إلى طفولته ونشأته الأولى. وقد يكون المرض العضال الذي أصابه في نخاعه الشوكي سبباً قوياً من أسباب ذلك الشعور. ومن طبيعة هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>