قضى سعادة الدكتور محمد فاضل الجمالي في مصر نحو شهرين كان فيهما موضع الحفاوة والترحيب من أكابر المصريين، فالتفتت الأذهان من جديد إلى وجوب توكيد الصلات الأدبية والعلمية بين مصر والعراق. ويزيد في أهمية هذا الالتفات وجاهة الغرض الذي حضر لتحقيقه هذا المربي المفضال، فقد جاء يستحث المدرسين المصريين إلى المسارعة بالتوجه لخدمة العلم في المدارس العراقية، وعددهم في هذه المرة كثير جدا بحيث يكفي لتوكيد تلك الصلات إن أدرك جميع هؤلاء المدرسين أنهم سفراء مودة وإخلاص؛ والمأمول إن يدركوا هذا المعنى أتم الإدراك بفضل ما سيلقون في بلاد الرافدين من الإعزاز والتبجيل. أسبغ الله عليهم أثواب العافية، وجعل التوفيق حليفهم في جميع الشؤون!
أما بعد فموضوع هذا المقال مستوحى من زيارة الدكتور الجمالي، وقد كان يجب أن نتحدث عنه في (الرسالة) قبل اليوم، لأنه لم يزر مصر إلا موفداً لمهمة من أشرف المهمات، وكان ذلك يوجب أن نتحدث عن قدومه ولو بعبارة وجيزة في البريد الأدبي، ولكن الدكتور الجمالي نفسه هو سبب ما وقع من السكوت، فقد بدا لي أن أوجه إليه طائفة من الأسئلة المكتوبة ليجيب عنها إجابات مكتوبة طلباً للسلامة من الخطأ والتحريف، ورعاية لمركزه الدقيق، وهو مركز لا يبيح له أن يتحدث عن الصلات بين مصر والعراق بلا تدبر ولا إمعان، فقد رأيته غضب حين قرأ في إحدى الجرائد أنه سئل عن النظام الجديد في بلاده بعد الثورة الكيلانية وأنه أجاب بكيت وكيت، فلما سألته عن سبب غضبه مع أن الجواب المنسوب إليه لا غبار عليه قال: لا يليق بمن يوفد لمهمة علمية أن يتكلم عن شؤون سياسية.
وأريد أن أقول أن الدكتور الجمالي حار في الإجابة عن الأسئلة التي وجهتها إليه، وكانت تلك الحيرة سبباً في أن تتأخر الإجابة أسابيع، فلم يقدمها إلي إلا وهو يتأهب للرحيل.
عواطف نبيلة
وقبل أن أسوق الأسئلة والأجوبة أذكر أن الدكتور الجمالي أقام برهاناً جديداً على أصالة الأريحية العراقية، فكان اهتمامه عند حضوره مقصوراً على زيارة الرجال الذين تشرفوا