للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بخدمة العلم في العراق، فزار الأستاذ محمد عبد العزيز سعيد (أول أستاذ مصري قدم العراق، ونظم دار المعلمين، وكان الدكتور الجمالي من أوائل تلاميذه في سنة ١٩١٨) وزار الدكتور السنهوري الذي رفع القواعد من كلية الحقوق العراقية؛ وسأل عن الأستاذ الزيات بلهفة وشوق فعلم أنه بعيد عن القاهرة، وتفضل فزارني في سنتريس ليرى البلد الذي قال فيه الشاعر عبد الرحمن البناء:

لبُعدك كابدتْ بغدادُ حُزناً ... وإن فرحتْ بقربكِ سنتريسُ

ولن أنسى أبداً أن الأسابيع التي قضاها الدكتور الجمالي في مصر كانت من المواسم الروحية، فقد كان يسأل عني في كل يوم، كأنه رب البيت وكأنني الضيف.

أخت بغداد والألقاب

واتصلت أيام الدكتور الجمالي عندنا بفكاهات كثيرة كان يوجهها إلى أقطاب وزارة المعارف من وقت إلى وقت، منها السؤال الذي واجهني به سعادة الأستاذ شفيق بك غربال:

- سمعت أنك لم تصب بأخت بغداد، فهل هذا صحيح؟

- أصبت بالأخت الحقيقية لبغداد، وهي (ليلى المريضة في العراق) وفي هذه الإصابة مناعة من جميع العلل والأدواء.

وفي إحدى سهراتنا أعلن الدكتور الجمالي ثورته على كثرة الألقاب في مصر، فأجبت بأن الحال في مصر غير الحال في العراق، فالظاهر أن الألقاب كانت تشترى بأبخس الأثمان فيظفر بها من لا يستحقون التبجيل، ولهذا ثار عليها العراقيون؛ ولا كذلك الحال في مصر، فالألقاب عندنا لا ينالها من ليس لها بأهل، وإن كان في النحو باب يسمى باب الاستثناء.

وأردت أن أنتقم من الدكتور الجمالي فكنت أخاطبه بعبارة: يا فاضل بك؛ فلم يمض إلا وقت قليل حتى استأنس بلقب البكوية كل الاستئناس، إلى الحد الذي سمح بأن يسأل عن حظي من الألقاب الرسمية بعبارة تفيض بالعطف. وقد تحزن حين أجبته بأن الألقاب لا تمنح للموظفين إلا حين تصل مرتباتهم إلى مبلغ لا أصل إليه إلا بعد أعوام طوال، ثم أردت أن أطمئنه فقلت: ولكن لا موجب للجزع فقد تنفع المؤلفات في الظفر بالألقاب!

ومن المنتظر أن يستوحش فاضل (بك) حين ينزع منه هذا اللقب بعد وصوله إلى بغداد، ودنيا الألقاب إلى زوال!

<<  <  ج:
ص:  >  >>