أشفقنا على كاتب المقالات (بين العقاد والرافعي) من هول ما جنى على نفسه بتسخيره عقله لهواه فيما تصدى له، فدعوناه إلى أن يفيء إلى الحق ويسلك في أدبه سبيل القرآن قبل أن يحق عليه ما حق على كل مجانب لطريق القرآن من قبله. لكننا لم نكد نتم قراءة مناقشاته وشروحه التي بسط في العدد ٢٦٢ من الرسالة حتى أيقنا أننا أمام مغرور لن يدع له غروره مرجعاً إلى حق، ولا رجوعاً عما هو بسبيله من مكابرة ومماراة
وكان أكبر ما أيأسنا وآسفنا منه في كلمته تلك جوابه على ملاحظة الفاضل الفلسطيني الذي نبهه بجلاء ووضوح إلى خطئه فيما اعتبره تناقضاً بين تلخيص الرافعي لرأي شوبنهور في الجمال وبين حقيقة ذلك الرأي. في ذلك الجواب بعد أن ذكر أن نصف تلك الملاحظة في موضعه قال:(وقد نشأ هذا عن اضطراب في ترتيب بعض اجمل! وكثيراً ما يقع مثل هذا فنكتفي بفطنة القارئ) ولكن مع هذا بقي التناقض بين قول شوبنهور وتلخيص الرافعي واضحاً). وأكبر المآخذ على هذا الكلام خلقي لا عقلي، وموضع المؤاخذة هو ما بين قوسين - والقوسان من عندنا - فقد كبر عليه أن يعترف بالخطأ صراحة فجعل يخادع عن خطأه بالتماس تعليل لا ينطبق على الواقع كما فعل بالضبط في مقاله الثالث حين أراد أن يخرج من رأي ارتآه في الرافعي إلى رأي. ومخالفة تعليله هذا للواقع يتضح من كلامه الذي انتقده الفاضل الفلسطيني من مقاله التاسع في العدد ٢٦٠ من الرسالة. ونحن موردون الآن ذلك الكلام بنصه؛ قال:
(ثم هذا الخلط بين الرأي الذي جاء به الرافعي وبين رأي شوبنهور، ونسبة كلام إلى رجل يقول ضده تماماً. الفيلسوف يقول: إن الأشياء (تسرنا) كلما قربت من عالم الفكرة وابتعدت عن عالم الإرادة. فيقول الرافعي عنه: إن الأشياء (تحزننا) كلما ابتعدت من عالم الفكرة واقتربت من عالم الإرادة. وهو عكس قول شوبنهور. ثم يعود فيقول: (وإنها تفرحنا كلما