ابتعدت من عالم الإرادة واقتربت من عالم الفكرة. وهو عكس كلام الرافعي الأول!! فأيهما يريد؟ أغيثونا بالله يا أصحاب الفهم وقولوا لنا متى تفرحنا الأشياء ومتى تحزننا؟ وأي القولين ينسبه الرافعي لشوبنهور وأيهما ينفيه عنه؟)
هذا نص كلام سيد قطب الذي يزعم أن في ترتيب بعض جمله اضطراباً هو علة الخطأ الذي نبهه الفاضل الفلسطيني إليه، ويزعم وراء ذلك أن هذا الاضطراب الموهوم في ترتيب الجمل كثيراً ما يقع فيكتفي بفطنة القارئ! والقارئ يرى في الكلام اضطراباً ولكن في الفهم والحكم لا في ترتيب الجمل، فإن الجمل ترتيبها مستقيم كما يتضح لسيد قطب نفسه فإنه مدرس لغة عربية؛ وليس هناك شك في أن الجمل كانت مرادة كما هي بترتيبها ومعناها حين خرجت من قلمه أول مرة. لكن العزة تأخذه بالإثم فيحاول أن يفر من تبعة خطأ في الفهم قد يغتفر فيقع في تبعة ادعاء مخالف للواقع لا يمكن أن يغتفر بحال. ويزعم مع ذلك أنه يمثل مدرسة (جديدة تعنى بتصحيح المقاييس الأدبية عنايتها بتصحيح المقاييس النفسية)!
مثل هذه المكابرة في الواضح المحسوس هو الذي ييئسنا من هذا الكاتب أن يقر بخطأ أو يرجع إلى الحق إذا وضح مادام هذا الحق عليه لا له
وقد ارتكب سيد قطب ذلك الخطأ الخلقي ليفر من خطأ عقلي فوقع في خطأ جديد من غير أن ينجو من خطئه القديم. إن كلام الرافعي في تلخيصه شوبنهور كلام متسق لا ينقض أول منه آخراً ولا آخر أولاً. وإذا كان آخره يوافق رأي شوبنهور بإقرار قطب فأوله يوافقه أيضاً. إنما أراد الرافعي أن يفسر رأي شوبنهور ويقربه للذهن بتعليل معقول يزيل عنه غموضه وتجرده فلم يفهم قطب تفسير الرافعي واستمسك بجملة فيه قطعها عن أخواتها فبدت له كأنها تثبت ما يريد من تناقض الرافعي
شوبنهور يقول - فيما لخصوا له - إن الجمال يكون في عالم الفكرة المنقطع عن الأغراض والشهوات، ولا يكون في عالم الإرادة المتصل بالأغراض والشهوات. وهو كلام غامض ليس يسهل فهمه وتصوره، فالتمس الرافعي له توجيهاً وتعليلاً حسناً بقوله أن الجمال المتصل بغرضك وشهوتك ليس بجمال، لأن غرضك وشهوتك هما زينا الشيء لك فبدا جميلاً وإن لم يكن جميلاً في الحقيقة. فهو باعتبار الإرادة أي الغرض والشهوة جميل،