وباعتبار الفكرة المجردة عن الغرض والشهوة لا جمال فيه. فتعلق قطب بالكلمات (باعتبار الفكرة المجردة لا جمال فيه) كما يتعلق الغريق وقال إن الرافعي يناقض بها رأي شوبنهور! ولو لم يكن يفكر بهواه لا بعقله لرأى أن هذه الكلمات في كلام الرافعي راجعة إلى شيء في عالم الإرادة تعلق به الغرض والشهوة، وهذا الشيء في رأي شوبنهور غير جميل باعتراف سيد قطب نفسه. فقطب هو الذي لم يفهم عن الرافعي، ورمى الرافعي بأنه لم يفهم عن شوبنهور في كلام طويل جعل يشير فيه ويصيح ويستغيث.
هذا المقال يمثل من الناحية العقلية ضربا آخر من أغلاط قطب ويبرز علة أساسية في سوء تقديره الرافعي. إنه في كثير من الأحوال يخطئ غرض الرافعي ويفهم من كلامه غير ما أراد ثم يحكم عليه بما لم يرد وما لا يدل عليه كلامه: يسرف على نفسه وعلى الرافعي في الحكم وهو في الحقيقة قد أخطأ جوهر الموضوع.
خذ مثلاً لذلك رميه الرافعي بأنه ينظر إلى الأمور نظرة مادية ويذكر نفسه وقلبه في سوق (المجوهرات) معتقداً أنها أثمن من القلوب إلى آخر ما تشدق به وافترى على الرافعي.
وسيد قطب يلقي الدعاوى ثم يثبتها بأمثلة، وهو طريق في إثبات الدعاوى غريب لا يثبت منها شيئاً ولو صحت الأمثلة كلها. ومع ذلك فإن كل مثال جاء به سيد قطب ليثبت به دعواه تلك هو مثال أخطأ فيه غرض الرافعي وأخطأ لب الموضوع
إن أول ما هاج قطب إلى تلك الدعوى قول الرافعي من قصيدة له في الحب معجبة:
قلبي هو الذهب الكري ... م فلا يفارقه رنينه
قلبي هو الألماس يع ... رف من أشعته ثمينه
وواضح أن هذه كأبيات العقاد التي ذكرها اللبابيدي، من باب التشبيه ومن التشبيه في ناحية مخصوصة واضحة في كل من البيتين. فالرافعي يشبه قلب نفسه بالذهب الكريم لا من ناحية سعره وقيمته - ولو قال الرافعي هذا ما كان فيه عليه من بأس إذ يكون واضحاً عندئذ أن قلبه في القلوب كريم كالذهب في المعادن - ولكن من ناحية أن عاطفته النبيلة لا تفارقه كما لا يفارق الذهب رنينه. والذهب في لغة العلم فلز نبيل لا يصدأ في الجو ولا تؤثر فيه الأحماض ولا القلويات وإن أثر فيه الكلور المتولد. فكأن الرافعي يقول إن قلبه يحتفظ بنبله وطهارته رغم المغريات والفتن كما يحتفظ الذهب برنينه رغم المصدئات