والمغيرات. واختيار الرافعي خاصة الرنين من بين خواص الذهب رمزاً لتلك الخواص ينطق بلطف شاعرية الرافعي وسلامة طبعه، فإن خاصة الرنين أشبه خواص الذهب بعواطف القلب: هذه يثيرها ويحركها وقع الحوادث والمناظر، وذاك يثير موجاته نقر القضبان والأنامل. فليست القافية هي التي ألجأت الرافعي إلى اختيار كلمة الرنين، ولو فعلت لكان ذلك أوثق لشاعريته، لأن من أصدق الدلائل على شاعرية الشاعر ألا تصرفه قافية عن غرضه، ولا تستنزله عن بعضه، بل تخدم قافيته غرضه فيجتمعان له كلاهما في سهولة ويسر. وهذا من أصدق مظاهر الطبع في الشعراء
والمهم في بيت الرافعي أنه لم يشبه قلبه بالذهب من حيث قيمته ولا من حيث نوع رنينه، بل في الخاصة الواحدة التي يمتاز بها الذهب من سائر الفلزات غير النبيلة: أنه لا يفارقه رنينه، وإن اختلفت عليه المؤثرات والظروف. وهناك فلزات أخرى كالنحاس والفضة لها رنين قد يكون في الأذن أوقع من رنين الذهب لكن هذا خارج عن مقصد الرافعي. إنما الذي يريد الرافعي توضيحه بالتشبيه هو ثبوت قلبه للحوادث وعدم ذهاب المغريات والأهواء بلبه كما تذهب بأكثر القلوب والألباب. فهدته شاعريته إلى تشبيه قلبه في هذه الخاصة التي تميزه في القلوب بالذهب الكريم الذي يمتاز من غير النبيل من أفراد جنسه باحتفاظه بخواصه ورنينه، على رغم المؤثرات المغيرة، لا يشركه في ذلك فضة ولا حديد ولا نحاس
أما نوع العاطفة التي يستجيب بها قلبه للحوادث فقد أشار إليها ألطف إشارة في البيت الأول حين وصف الذهب بأنه الذهب الكريم. ويشهد للطف حس الرافعي في الشعر أنه اختار هذا الوصف دون كل الأوصاف التي يستقيم بها الوزن. فلم يقل مثلاً قلبي هو الذهب الثمين فيدع لكل متجن مترصد متكأ يتكئ عليه في تهمته التي يتهم بها. والرافعي طبعاً لم يكن يعرف الغيب لكن الشاعر المطبوع يتجنب المزالق بلطف حسه وقوة طبعه. وهذا مظهر آخر من أصدق مظاهر الشاعرية والطبع في الشاعر المطبوع
لكن الرافعي أراد أن يتبع تلك الإشارة اللطيفة إلى نبل قلبه بما يظهرها ويوضحها فلا يكون هناك شك في نبل ما يتحرك به قلبه من عاطفة، كما لم يكن هناك شك بعد بيته الأول في ثبوت قلبه على تلك العاطفة برغم الفتن والأحداث. أراد ذلك فأتبع بيته الأول بيته