والألماس يعرف بعدة خواص: يعرف بكثافته النوعية، ويعرف بصلابته، فهو يخدش ولا يخدش. لكن هاتين الخاصتين لا تصلحان مطلقاً لأن تكونا وجه شَبه بين الألماس وبين قلب الرافعي، لأنها إلى وصف القلب بالغلظة والقسوة أقرب. فهدى الرافعي لطف حسه وصدق طبعه مرة أخرى إلى اختيار الخاصة الواحدة من خواص الألماس التي تليق أن تكون جامعة بين الألماس وبين قلب مثل قلب الرافعي: خاصة أخذ الألماس للنور والتأثير فيه بتفريقه إلى أضوائه المتعددة بألوانها الزاهية الجميلة، ثم إرسال تلك الأضواء كلها مجتمعة غير مشتتة فتخرج منه باهرة يكاد بريقها يذهب بالبصر. وهي خاصة يشرك الألماس فيها الزجاج والبلور إلى حد ما، ولكن لا بتلك الدرجة التي اختص بها الألماس والتي هي أساس تقدير الناس له، فالألماس بهذه الخاصة الفريدة أشبه قلب الرافعي، وأشبهه قلب الرافعي فيما يتناول ويجمع من مختلف الأحاسيس الكريمة والعواطف النبيلة فيهذبها وينظمها ويرسلها أشعة قلبية كريمة طاهرة باهرة تعرفها في مقالاته رحمه الله في الرسالة، وتعرف قلبه بها في القلوب كما يعرف ثمين الألماس بأشعته من مزور الألماس.
أرأيت دقة هذين التشبيهين وحسن التمثيل فيهما وشموله وكرم المعنى مع كرم اللفظ؟ هذا هو الذي أخطأه سيد قطب فلم يفهم من ذلك اللفظ الواضح إلا ما تبادر إلى ذهنه من المعاني السطحية السوقية المتعلقة بالماديات وسوق (المجوهرات)، فيزعم أن هذا هو مراد الرافعي، ويحكم على الرافعي به وما يحكم إلا على نفسه. ولو كان العقاد هو قائل هذين البيتين لأدرك قطب منهما هذا المعنى الذي وضحنا مع تمام التطابق في أوجه الشبه بين طرفي التشبيه، ولأتخذهما دليلاً لا على نبل العقاد وسموقه وتفرده فقط كما يجب أن يقول، لكن أيضاً على اتساع ثقافته وعلمية تفكيره. لكن اصطناع المعاني العلمية في الأدب يحتاج فيما يظهر إلى شرط آخر حتى يعجب سيد قطب، يحتاج بعد الفهم إلى أن يكون مصطنع ذلك في الأدب هو العقاد.
على أن الرافعي رحمة الله عليه لم يكتف بما في بيتي التشبيه من دلالة على ما يريد مما فصلناه، بل أراد ألا يدع الأمر في ذلك للفهم وقد يخطئ، ولا للتأويل وقد يختلف، إذ قد