يكون القلب ما يكون ويزعم صاحبه أنه نبيل يخفق بكل نبيل من العاطفة والشعور. أراد الرافعي أن يرفع الشك من هذه الناحية بالتصريح عما يريد فيكون ذلك تلخيصاً لمراد البيتين وتفسيراً لهما وقطعاً للشك في معناهما فأردفهما رحمة الله عليه بقوله:
قلبي يحب وإنما ... أخلاقه فيه ودينه
فهو يتأثر بالجمال في شتى مظاهره ومواطنه، لكن تأثره بالجمال وإن عظم لا يخرجه عما يرضي الخلق الكريم والدين القويم كما تخرج أكثر القلوب خصوصاً في هذا الزمن الغريب الكنود الذي كأنما طابع أهله الجحود فيأبون إلا أن يجعلوا شكر الله على نعمة الجمال معصيتهم لله فيه. ولا كذلك الرافعيُّ، فقلبه رحمه الله كان يستجيب لدواعي الجمال فيخفق له خفقاً ويهتز به اهتزازاً لكن من غير أن يخرج في ذلك عما يعلم أن لله فيه رضا. قلبه يحب وإنما أخلاقه فيه ودينه. وهذا عندنا من الفروق الأساسية بين المدرسة القرآنية التي ينتسب إليها الرافعي وبين المدرسة التي تتلقب بالجديدة وهي قديمة قدم الشهوة على وجه الأرض. وقد أشرنا إلى ذلك في كلمتنا الأولى ونرجو أن تكون لنا إليه عودة قريبة إن شاء الله
هذان موضعان أخطأ فيهما ناقد الرافعي غرض الرافعي برغم وضوح كلامه، فأخطأ لب الموضوع واتخذ ذلك دليلاً على ما الرافعي منه بريء
وموضع ثالث أخطأ فيه جوهر الموضوع مرة أخرى واتهم الرافعي، قول الرافعي فيما نقل الكاتب من رسائل الأحزان حين أراد أن يقص على صاحبه قصة حبه بغير ترتيب:(فإن هذا مما يحسن في تاريخ صخرة تتدحرج، أما أنا فسأقدم لك تاريخ لؤلؤة فريدة) هذا قول الرافعي الذي جعله سيد قطب مثالاً لمادية الرافعي ومغالاته (بالمجوهرات) إذ لا فرق لدى الفنان الحي بين أن يقص تاريخ صخرة وتاريخ لؤلؤة إلا أن يكون (الثمن) هو الفارق بينهما. والفنان الحي الذي يستشعر الحياة في أعماقها في رأي قطب كان يقول في هذا الموضوع إنه سيقص قصة بنية حية يدخل في تأليفها الحس والشعور (أو تاريخ نبتة تنمو من داخلها أكثر مما تنمو من خارجها) إلى آخر ما أظن أنه يدل على حياة الفنان. ولو جاء الرافعي بمثل ما قال صاحبنا ما سلم من قوارص كلمه وباطل تهمه. وإذا كان كتاب يضطرم بالحب ويتضرم بآثاره لا يدل عند مثل سيد قطب على حياة القلب الذي زاد به