حملني من لا أطيق مخالفته من ذوي قرباي على مصاحبته لزيارة ذلك الذي أنعته بصاحب السلطان، فبلغنا داره وقد متع النهار أول أيام العيد. . .
واستقبلنا صاحب السلطان لدى مدخل حجرته، ونظرت - وهو يمد يده للسلام - إلى وجهه المنتفخ المتورد، فإذا الذي يكون ابتساماً على غير وجهه من الوجوه لم يكن على وجهه إلا شبه ابتسام. وطاف برأسي خيال: ذلك أنه لا يبتسم قط إلا حين يضطره العيد إلى مثل ذلك النوع من الابتسام الذي بدا على وجهه كما يبدو الشيء في غير موضعه وجلسنا فأتممنا حلقة من الزبائن كانوا بين يدي صاحب السلطان قبل مقدمنا، ودرت بعيني أو على الأصح درت بمنظاري في نواحي الحجرة الفسيحة فعجبت لأول وهلة أن رأيت كل شيء حولي تشيع فيه الحمرة، فالبسط حمراء لا أثر فيها لنقش، والأرائك حمراء، والستائر حمراء، ونقوش الجدر حمراء.
واستقرت عيناي على وجه صاحب الدار ونظرت إلى شاربيه الغليظين المرهفين فوق شفته الضخمة وتحت أنفه الذي حرت فيه، والذي لا أزال منه في حيرة أهو الذي زاد الشاربين رهبة أم هما اللذان زاداه غلظاً وفخامة! ولست أدري لم قرنت وأنا أنظر إليه تلك الحمرة التي شاعت حولي في كل شيء بلون الدم وكان الأحرى ونحن في العيد أن أقرنها بلون الورد! ولكن هيهات أن يتعلق خيالي بالورد وأنا أنظر إلى تلك السحنة والأحاديث التي سمعتها عن صاحبها تتواثب إلى ذاكرتي في نشاط عجيب وتتداعى صورة إلى صورة كلما بدت منه حركة أو أرتسم على محياه معنى. . . ولو أن الورد الجني كان في تلك الحجرة ساعتئذ لما رأيت في الورد نفسه إلا لون الدم!
واسند صاحب السلطان ظهره إلى المقعد فظهر بطنه المتكرش أعظم ضخامة، ونزل بذقنه حتى مست صدره فبدت لغاديده أعظم هولاً، وتكلم فإذا صوت كأنه صوت الطبل إذا نقر ينبعث في الحجرة وفيه على نكره صلف، فهو يتضخم مرة في الحنجرة، ويبدو مرة أخرى كأنه ينبعث من الأنف وتسبقه في كل مرة غمغمة يربد معها وجهه ويبدو الشر في عينيه كأنما يتهيأ لما أعتاده في غير ذلك الوقت من سباب وينصت من في الحلقة وكأن أكثرهم