لست أحاول التحدث عن نواحي الدراسات المختلفة في أدب حافظ، فان مباحث شعره المتعددة لا تأتى عليها لمحة سريعة ووقت قصير؛ ذلك لان العاطفة في رثائه موضوع دراسة، وتداعي المعاني في خمرياته موضوع دراسة، وظرفه وفكاهته ومدحه ووصفه كلها محل بحث وتناول وتحليل. ولقد تكلمنا عن حافظ (الشاعر الوفي لمصر) في ذكراه الثانية، وسنتكلم اليوم عن ناحية جديدة لها متين الصلة بالمجتمع، وكبير الأثر في حياتنا العامة، وهي اثر حياته في أخلاقه وشعره.
- ١ -
نشأ حافظ إبراهيم - رحمه الله - نشأة شعبية قد زخرت بألوان العيش تقلبت بين متع دنيا لم تشبعه، وبؤس زمان غلب عليه، وعاش مسكيناً وبائساً في مجموع حياته، لا نستطيع أن نحدد صفوه ونعيمه بشهر معلوم، ولا بسنة، ولا بفترة من الزمان طويلة؛ فانه قد يكون في اليوم الواحد شقياً وسعيداً، بائساً وغياً، إلا انه في المجموع متغلب البؤس، متداني الرزء، غير مجدود
وما النعيم لديه إلا فترات يخلقها ما فيه من ظرف ومرح، وتبعثها مداعباته وفكاهته، ويولدها تفاؤله بالمستقبل، ويقينه في الظفر، ثم ما يراه في العلم والفضيلة من تقريب للسعادة، وسمو بالروح.
وهذا القدر من الظرف والمرح هو الذي هيأ لحافظ عطفاً على فقره، وولد فيه حناناً من بؤسه، وحببه إلى الصحاب والعارفين، ودفعه إلى مواساة البائسين، ومشاركة المحزونين، فلئن صح ان في البؤس ذلة وانكساراً؛ فان في الحنان ميلاً إلى البر، واندفاعاً إلى الصدقة.
كان لهذه النشأة اكبر الأثر في صدق شعوره وإحساسه بالآلام، وتعبيره عنها أدق تعبير،