أشرت في مقدمة هذه الدراسة إلى أن شاعرنا المصري كان أشبه بكتاب مفتوح. أستطيع أن أقول لك وأنا مطمئن، إنني قد قرأته كله. . . شعره على ضوء حياته، وحياته على ضوء شعره، ناحيتان تؤلفان هذا الكتاب الذي قراته، وعشت بين سطوره، وخرجت من هذه السطور بآراء عرضتها على الذاكرة فمل اعترضت، وعلى الضمير فما أنكر، وعلى موازين النقد فما اختلفت مع أصوله كما افهمها ومناهجه.
وقلت لك أيضاً إنني قد درست حياة علي طه النفسية، ودرست آثاره الفنية. . . درستهما على طريقتي التي أومن بها وادعوا إليها كلما حاولت أن اكتب عن أصحاب المواهب أو كلما حاول غيري أن يكتب عنهم: مفتاح الشخصية الإنسانية أو مفاتيحها اولا، ومفتاح الشخصية الفنية أو مفاتيحها ثانيا، والربط بعد ذلك بين الشخصيتين لتنفذ إلى أعماق الحقيقة في الحياة والفن، ومدى التجاوب بينهما منعكسا على صفحة الشعور المعبر عنه في كلمات.
وقلت لك مرة ثالثة إن الذين لم يعرفوا هذا الشاعر ولم يطلعوا على دخائل نفسه وآفاق حياته، يستطيعون إذا لم ينزعوا عن الألفاظ أثوابها النفسية، أو يجردوا الأخيلة من ظلالها المعنوية، أو يفرقوا بين الصور وبين وشائج اللحم والدم. . . يستطيعون إذا لم يلجئوا أي شيء من هذا كله أن يعرفوه حق المعرفة من خلال شعره! لقد كان شعره مرآة صادقة لهذا الوجود الذي أحاط به، لأنه كان إنسانا صادقا في صحبته لتلك المرآة: لم يحاول يوما أن يقف أمامها بوجه غير وجهه، ولم يحاول يوما أن يلقاها بملامح لونتها المساحيق أو اختفت حقيقتها وراء الأقنعة!
وقلت لك مرة رابعة أنه كان يمثل الوضوح في الفن، وقيمة الوضوح في الفن هو أن يتيح للدارسين أن يطمئنوا على مواقع أقلامهم كلما قطعوا مرحلة من مراحل الطريق. . . لا