لم يكن انطلاق الطاقة الذرية بالشكل الذي تبين حديثاً للعالم وليد فكرة
تخيلها العلماء وأخرجوها من حيز الفكر إلى حيز العمل في وقتنا
الحاضر. بل نتيجة لسلاسل طويلة من التفكير الطويل والبحث
المتواصل.
الاستنتاجات والبحوث الأولية:
منذ ٢٥٠٠ سنة مضت، عارض ديمقراطيس وهو أعظم فلاسفة اليونان القول بأن المادة قابلة للتجزئة من غير حد. وقرر وجود الجزء الذي لا يتجزأ، أو الجوهر الذي يقف عنده التجزؤ وتحلل إليه الأجسام. وكان يرى أن الجزء الذي لا يتجزأ (أي الذرات) صغير لا تدركه الحواس. وهو في حركة دائمة وباق لا يدركه الفناء. وقد تطورت تلك الأفكار على يدي ليوراطيس ووضعت في المنظومة المشهورة المسماة (في طبيعة الأشياء).
وقد اعترف الإنسان بداهة منذ أن بدأ في التفكير والتعليل والوصول إلى شرح العمليات الطبيعية في احتمال صحة النظريتين اللتين تنص إحداهما على (الاستمرار) والأخرى على (عدم الاستمرار)، فحبذ ديمقراطيس نظرية عدم الاستمرار، بينما حبذ (أفلاطون) وتلاميذه نظرية الاستمرار، أي النظرية التي تنص على أن الطبيعة مركبة من سائل شامل. أو بتعبير آخر (انشغال الفراغ بالهيولي) وكل من هاتين النظريتين صحيحة من الناحية الفلسفية. على أن هنالك اختلافاً ظاهراً بينهما إذا ما وضعا تحت البحث التجريبي العلمي. ولما كانت العبودية مسلماً بها في الحياة الاجتماعية في ذلك العصر اعتبرت الفلسفة الفكرية من مكملات الحياة الأرستقراطية، بينما العمل اليدوي مهين لكل من يزاوله. وترى من هذا أن فلاسفة ذلك العصر كانوا يعتبرون العمليات اليدوية، أو بعبارة أخرى البحث التجريبي العلمي أحط طريقة للوصول إلى حقيقة الأشياء. ولما كانت الفلسفة الأفلاطونية معترفاً بها في الفترة الأخيرة قبل ميلاد المسيح وكانت آراؤه وتعاليمه تمثل التفكير السائد في ذلك العصر أخذت نظرية الاستمرار مكانتها وسادت، وكانت هي النظرية المعترف بها لمدة ٢٠٠٠ سنة تقريباً.