للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صور من الحياة:]

هوى على الشاطئ

للأستاذ كامل محمود حبيب

- ٣ -

. . . وانطوت أيام وحانت ساعة الوداع، فوقف قلب - لدى الشاطئ - إلى جانب قلب يناجيه بكلمات تتأجج فيها زفرات اللوعة وتنبعث منها مرارة الأسى. وتعانق القلبان ساعة من زمان ثم افترقا ليتلاقيا - بعد حين - في القاهرة.

غادر الفتى الأسكندرية، مسرح الهوى والغرام، ومهد السعادة والرضا؛ غادرها وفي قلبه غصة وفي فؤاده شجن، فانقبضت أساريره وغامت الدنيا في ناظريه، وغم عليه وجه الرأي، فانطوى على خواطره حينا يتلمس الخلاص فلا يجده، ويطلب السلوى فتعز عليه.

ورأت الزوجة في زوجها أمراً غريباً عنها. رأته جهم الوجه مقطب الجبين ساهم الفكر، وبدا لها أن صدمات من الضيق والأسى توشك أن تخترمه فتعصر روحه وتقتل أمله، فراحت تحوم حواليه تريد أن تستشف خلجات ضميره أو أن تنفذ إلى أغوار سره فما استطاعت، وهي فتاة قروية تعوزها الحيلة وتفتقر إلى الدهاء، فأمسكت على مضض وإن قلبها ليحدثها بخطر ذي بال، والصبية إلى جانبها ينكرون إهمال الرجل لهم وانصرافه عنهم، وهو كان بهم حفيا رحيما، يداعبهم حتى تستقر نفوسهم، ويلاعبهم حتى يغمرهم البشر. أما هذه الدار فقد حال حالها، فهي الآن تعتمد على أسس واهية من نزوات طائشة تفعم قلب الزوج فتستلبه الرأي والصواب، وتقوم على عمد متداعية من الشك الذي تفهق به نفس الزوجة فينتزع عنها الراحة والهدوء. والصغار بينهما يعانون الإهمال والضياع في غير ذنب.

ومرت الأيام تذكر الفتى الساذج بتاريخه يوم أن كانت روح الدين تضطرم في نفسه فتردعه عن الغي وترده إلى الدار والزوجة والوالد؛ على حين كان الزمن يسدل أستار النسيان - رويدا رويدا على لذاذات الشاطئ التي تشق عبيرها الجذاب ورشف رحيقها الحلو، هناك في الإسكندرية على حين غفلة من الدين والزوجة، فسكنت نوازع الحماقة في

<<  <  ج:
ص:  >  >>