لشدّ ما يُزهى بك المصري ويفخر! كنت أول تعبير عن إرادة مصر،
وأول مظهر لحرية الفكر، وأول صدع في بناء الاحتلال، وأول نبو
على طغيان كرومر!
كان اللورد يريد بحوله وطوله أن يصرفنا عن إنشائِك إلى إنشاء الكتاتيب، لأن سياسة المستعمر المحتل أن يجعل من ضحاياه عبيداً لا سادة، وجنوداً لا قادة. ولكن حملة (المؤيد) و (اللواء)، وصيحة بعض الزعماء والكبراء، أخذنا على (العميد) الطريق، فانكفأ راجعاً إلى (الوكالة البريطانية) يقلب كفيه من الخيبة، ويعضعض شفتيه من الغيظ؛ واتخذت أنت سبيلك إلى الوجود، فاحتفلت الأمة بمولدك في شهر ديسمبر من عام ١٩٠٨. ثم تبنتك الحكومة في شهر ديسمبر من عام ١٩٢٥؛ ثم قضيت في الجهاد العلمي تحت الرداء الرسمي خمساً وعشرين سنة، فيها رسخ بنيانك وشمخ، واتسع سلطانك وعز، وتأثل مجدك وعظم، وسطع نورك وانتشر، وارتفع ذكرك واستفاض، ولكنك لا تزالين تذكرين وتفخرين بأنأباك الرحيم هو الأمير فؤاد، وأن أمك الرءوم هي الأميرة فاطمة إسماعيل، وأن معينك البار هو مصطفى الغمراوي، وإن داعيك العظيم هو سعد زغلول، وأن حاميك القوي هو عبد الخالق ثروت، وأن ابنك البكر هو طه حسين!
أنت وبنك مصر يا جامعة فؤاد كل ما غنمناه من جهاد اثنتين وثلاثين سنة. وأقسم بالله جهد يميني لو أننا تجاهلنا الإنجليز بعد إلغاء الحماية الكاملة، وإعلان الاستقلال الناقص، ووقينا الأمة شر هذه الخصومات والمنافسات والمظاهرات والإضرابات والمفاوضات، وعملنا ما عمل بالأمس طلعت حرب في الاقتصاد، وما يعمل اليوم طه حسين في التعليم، لأجتمع لنا من سطوة المال وقوة العلم ما يدفع عنا معرّة الجهل ومضرّة الفقر ومغبّة المرض، ولوقفنا في مصائر الشعوب أمام الكتلتين الشرقية والغربية موقف النظراء الأكفاء في الكمال الإنساني، لنا نفع يرجى، وضرر يخشى، وقولٌ يسمع، ورأيٌ يتبع. ويومئذ لا يكون بين النِّدين المتمدنين قضية جلاء ولا مسألة استجداء ولا مشكلة دفاع، ولكننا ابتلينا يا جامعة فؤاد بقوم من كبار المتعطلين احترفوا السياسة، وامتهنوا التهريج، فشغلوا الأمة بالقول عن